للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا لو قلت به، لم يكن بعيداً. وما ذكروه وإن كان غريباً، فهو متجه جداً في القياس، لما ذكرناه من أن الأخبار عن الهلال تعرض لوقت العبادة، فهلال رمضان به يُستبان دخول وقت العبادة، وهلال شوال به يُستبان خروج وقت العبادة. فإن اعتقد معتقدٌ ذلك، جرى المعنى سديداً.

وإن جرينا على ظاهر المذهب، فلا يجري توجيه قول الاكتفاء بالشاهد الواحد من طريق المعنى، وإنما مستنده الأثر والخبر، مع التمسك بطرفٍ من الاحتياط للعبادة، وهذا يوجب الفرق بين [الهلالين] (١)، وإليه أشار عليٌّ رضوان الله عليه، إذ قال: " لأن أصوم يوماً من شعبان أحبُّ إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان " (٢). وإنما قال ذلك لأنه كان يبالغ في الاحتياط في الشهادة، حتى نقل عنه تحليفُ الشهود، وكان لا يحتاط [في هذا لرمضان] (٣) ويقول ما روينا عنه.

والشهادة شهادة حِسبة، لا ارتباط لها بالدعاوى.

٢٢٧٤ - وإن قلنا: لا يشترط العدد، فقد اختلف أئمتنا في أنه يُنحى به مع الاكتفاء بالواحد نحو الشهادات، أو ينحى به نحو الروايات: فقال بعضهم: هو رواية على هذا القول، بدليل الاكتفاء بالواحد، وقال آخرون: هو شهادة، والمعتمد في الاكتفاء بالواحد ما قدمناه من الأثر والخبر، وهذا القائل يقول: مراتب الشهادات في العدد، والصفة، متباينة، فقبول الواحد على شرط الشهادة أدنى المراتب، واشتراط الأربعة أعلاها، فإن جعلناه شهادةً، اشترطنا الذكورة، والحرية، ولفظَ الشهادة، والإقامة في مجلس القضاء، وإن جعلناها روايةً [قبلناها] (٤) من الأَمَة مع ظهور الثقة، ولم نشترط لفظَ الشهادة، وقلنا: لو أخبر واحدٌ الناسَ بالرؤية، لزم


(١) في الأصل: الهلال.
(٢) أثر علي رضي الله عنه رواه الشافعي في الأم: ٢/ ٩٤، والدارقطني: ٢/ ١٧٠، والبيهقي: ٤/ ٢١٢ (ر. التلخيص:٢/ ٤٠٢).
(٣) بياض في الأصل.
(٤) في الأصل: قبلنا، و (ط): قبلناه.