ويتعلموا هذه الأساليب، ليعرفوا كيف ينقضونها على رؤوس أصحابها، وليدفعوهم بنفس أسلحتهم، ويهدموا بناءهم بنفس طرائقهم.
فالأئمة -أو على الأقل إمام الحرمين فيما أقدِّر- كانوا دائماً على ذكر ووعي بأساليب القرآن، يدعون إليها ويرغبون فيها، ولكنهم في الوقت نفسه درسوا أساليب اليونان (علم الكلام) وتمرسوا بها، ليدفعوا بها شبه المبطلين.
والدليل على ذلك أن إمام الحرمين مبكراً في صدر حياته، نجد له لمعاً وإشارات، تسخر من علم الكلام والمتكلمين، في الوقت الذي كان مشتغلاً به أشد الاشتغال.
وقد أشرت من قبل إلى سخريته من المتكلمين وكراهيته لعلم الكلام في خطبة كتابه (الغياثي) وفي كتابه (البرهان).
والعقيدة النظامية التي قيل إنه رجع فيها إلى مذهب السلف متقدمة قطعاً عن الغياثي، وعن البرهان، فقد ذكر (النظامي) في خطبة الغياثي مصرحاً أن الغياثي جاء وفاءً بوعدٍ قطعه في (النظامي)، ثم هو ذكر الغياثي في البرهان.
فإذا كان النظامي -ومنه أخذت العقيدة النظامية- قد أهدي إلى نظام الملك، ذلك الوزير العالم ناصر السنة، الذي تولى الوزارة سنة ٤٥٥ هـ، فمعنى ذلك أن إمام الحرمين قال ما قاله في العقيدة النظامية من دعوة صريحة إلى مذهب السلف قبل نحو ٤٦٠ هـ أي قبل وفاة إمام الحرمين بنحو ثمانية عشر عاماً.
فإذا عرفنا أنه توفي رضي الله عنه عن تسع وخمسين سنة، وأنه لم يعرف له مؤلف قبل وفاة والده سنة ٤٣٨ هـ، حين أُقعد للتدريس مكانه، وعُد ذلك من نوادر النبوغ المبكر، إذاً تقع العقيدة النظامية في منتصف عمره العلمي - إن صح هذا التعبير، وليس في أواخر أيامه.
وقد يفصل في هذه القضية ويقطع كل شغب ما جاء في كتابنا هذا وهو من أواخر تآليفه حيث يوضح بما لا يدع مجالاً للتأويل نظرته إلى علم الكلام وأنه علم ضروري لقمع المبتدعة، ولو عاد الناس لصفو العقيدة ما كان لنا به حاجة، وهذا نصّ عبارته: