للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما يتعين الاعتناء بفهمه في صور أحكام التمتع: أن المعتبر فيه أمران: أحدهما - وقوع العمرة في أشهر الحج، وكان ذلك في مرتبة المستنكرات؛ إذ كان الناس يَرَوْن أن أشهر الحج لا تُشغل إلا بالحج، ولا يُزحم الحج بالعمرة، في وقت إمكان الحج، فورد التمتعُ في حكم الرخصة، وجُوِّز للناس إيقاعُ العمرة في أشهر الحج، وكأن السبب في الرخصة أن الغريب كان يرد مكة، قبل عرفةَ بأيام، وكان يعسُر عليه استدامةُ الإحرام بالحج، ولا (١) يجد سبيلاً إلى مجاوزة الميقات، الذي ينتهي إليه في جهته، فجوز له أن يحرم بالعمرة، ويتحلل عنها، على شرط الشرع، ويبقى بمكة متحللاً، ثم يُحرم بالحج، من جوف مكة. هذا أحد الأمرين.

والثاني - أن الغريب لو أحرم بالحج، من ميقاته الذي انتهى إليه، لكان يحرم بالعمرة، بعد نجاز الحج من ميقات العمرة، وهو أَدْنى الحل. وإذا أحرم بالعمرة متمتعاًً، فقد ربح أحدَ الميقاتين في أحد النسكين.

فينبغي أن يكون هذان الأمران على ذُكرٍ من الناظر في هذه المسائل.

فإذا أوقع العمرة بتمامها في شهر رمضان، لم يكن متمتعاًً.

ولو أحرم بها في شهر رمضان، وأوقع جميع أفعالها في شوال، فهل يكون متمتعاًً؟ فعلى وجهين مشهورين: أحدهما - لا يكون متمتعاًً، لأنه لم يزحَم الحجَّ بإحرامه، والأصل الإحرام، والأعمالُ وفاءٌ به، فكان كما لو أوقع العمرة في شهر رمضان.

والثاني - أنه يكون متمتعاًً؛ لأن المقصود من العمرة أفعالُها، والإحرام رابطةٌ لها، وقد وقعت الأفعال في أشهر الحج.

وحكى الأئمةُ وجهاً ثالثاً، عن ابن سريج: أنه قال: إن عاد، فمرّ على الميقات محرماً، بعد هلال شوال، أو كان مقيماً به، حتى دخل شوال، فهو متمتعٌ؛ نظراً إلى حصوله بالميقات محرماً، في أشهر الحج. وإن كان جاوز الميقات محرماً، في رمضان، واستمر، ولم يعد، لم يكن متمتعاً.


(١) (ط): ولم.