للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي أشد حالة " (١)، أما أسر حالةٍ، فلما وقف بعرفةَ، عامَ الوداع، ورأى جمعَ المسلمين، فسرّه ذلك المنظر، استبشر، ثم استرجع، وقال: " لبيك إن العيش عيشُ الآخرة ". وقال أنس (٢): أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بذي الحليفة، وهو على ناقةٍ عليها قطيفة، لا تساوي درهمين، ورأى أصحابَه حوله ينتظرون، أمره ونهيه، فتضاءل حتى توارى برحله، تواضعاً لربه، ثم قال. على أثر تلبيته: لبيك، " إن العيش عيشُ الآخرة ".

وأما ما ذكره كذلك في أشد حالة، فهو ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابهَ رضي الله عنهم، كانوا يحفرون الخندق، وقد نُهِكت (٣) أبدانهم، واصفرت ألوانهم، من وباء يثرب وعلى [أَوْساطهم] (٤) الأحجارُ تقيم أصلابَهم من شدة الجوع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتجزاً:

"اللَّهُمَّ إنَّ العيش عَيشُ الآخره ... فارحم الأنصارَ والمهاجِرَه

فأجابوه:

نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقِينا أبدا " (٥)


=والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، والطبراني في الأوسط، وحسنه الهيثمي في المجمع، والبيهقي، كلهم من حديث عكرمة عن ابن عباس. وأما المرسل فرواه الشافعي عن مجاهد، قال النووي في المجموع: (٧/ ٢٥٦)، " بإسناد صحيح ". وقال ابن الصلاح في مشكل الوسيط (٢/ ٣٧ ب - هامش الوسيط ٢/ ٦٣٧) " هذا مرسل يصلح لأن يعتمد في باب فضائل مثل هذا الذكر ". ورواه البيهقي في السنن والمعرفة: (ر. الأم: ٢/ ١٥٦، الحاكم: ٤/ ٤٦٥، مجمع الزوائد: ٣/ ٢٢٣، البيهقي في الكبرى: ٥/ ٤٥، ٧/ ٤٨، والمعرفة: ٤/ ٥، التلخيص: ٢/ ٤٥٩). (١) يبدو أن هذا الكلام مشهور عن الإمام الشافعي، لكنا لم نصل إليه، وقد أورده البيهقي في
الكبرى: (٧/ ٤٨) ولم ينسبه.
(٢) حديث أنس رواه الإمام أحمد في المسند بلفظ مقارب: (٣/ ٢١٦ ح ١٣٢٨١).
(٣) نهك: من باب تعب، ونفع، ونُهك وزان عُني، بضم فكسر، دنف، وضني، فهو منهوك. (قاموس، مصباح، ومعجم، ومختار).
(٤) في الأصل: أصلابهم.
(٥) حديث حفر الخندق متفق عليه من حديث أنس، وسهل بن سعد (ر. البخاري: الجهاد،=