للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان جرى هدمُ البيت، قبل المبعث بعشر سنين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابنُ ثلاثين سنة، فلما بنَوْه، تنازع بنو عبد منافٍ، وبنو هاشم، وبنو المطلب، وبنو عبد شمس، وقال كل واحد: " نحن نضع الحجر في موضعه " فكاد شرٌّ يهيج، فتواضعوا على أن يرضَوْا بحكم أولِ من يدخل، من باب بني شيبة، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا في الجاهلية يسمونه محمداً الأمين. قالوا: محمدٌ الأمين!! أتاكم من لا يميل؛ فحكموه، فحكم بأن يَبْسط رداءه، ويوضَعُ الحجَرُ عليه، ثم يأخذ سيد كل رهط بطرف منه، حتى يحملوه إلى موضعه، فبسط رداءه، ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحَجَرَ بيده، فلما وصلوا إلى البيت، أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعه موضعه بيده.

وكان بناؤهم البيت على الصورة التي هي عليها اليوم، وقبل ذلك كان لاصقاً بالأرض، ذا بابين شرقي وغربي.

فلما خرج ابن الزبير إلى مكة، هدمَ البيت، وبناه كما كان قديماً، فلما ظهر عليه الحجاج، وقتله، هدم البيت بالمنجنيق، وبناه هذه البِنْيَة التي هو اليوم عليها (١).


(١) هذه العبارة عن هدم البيت وبنائه -زاده الله تعظيماً وتشريفاً- غيرُ دقيقة، وفيها من الخلل التاريخي ما فيها:
أولاً - ما حاجةُ الحجاج إلى هدم البيت بالمنجنيق، بعد أن " ظهرَ على ابن الزبير وقَتَلَه "، وصار مسيطراً على مكة؟؟ ما حاجته إلى المنجنيق؟ ألا تكفي المعاول والفؤوس.
ثانياً - إن ابن الزبير لم يهدم البيت ليبنيه على نحو ما همَّ به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما بناه ابنُ الزبير بعدما انهدم.
ثالثاً - هناك خلاف في سبب انهدام البيت، فقال بعض الرواة من أشياع ابن الزبير وأعداء بني أمية -وهم طوائف كثر- إن انهدام البيت كان بسبب ضرب الحجاج إياه بالمنجنيق عند حصار ابن الزبير وقتاله إياه، ولي بعد قتل ابن الزبير والقضاء على عصيانه، كما وهم إمام الحرمين، أو سبق قلمه.
رابعاً - لم يهدم الحجاج البيت كاملاً، وإنما هدم جانب الحِجْر، لردّ الزيادة والتغيير الذي أحدثه ابن الزبير.
والقول الذي نرتضيه، وعليه المحققون أن البيت انهدم بسبب حريقٍ كان نتيجة لشرارة طارت من أبي قَيْس -أحد رجال ابن الزبير- فلما تداعى البيت، ووهت جُدرانه، هدمه ابنُ الزبير، وأعاد بناءه على نحو ما تمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم. (قلتُ: رواية الحريق =