للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن الحج دَيْنٌ من رأس المال، أوصى به، أو لم يُوصِ.

فإذا قال: أحجّوا عني فلاناً بمائة -والحج حجُّ الإسلام- فالقول في ذلك ينقسم: فإن كان المائة أجرَ مثله، ولم نجد من يحج عنه بأقلّ من ذلك، واعتقدنا هذا المبلغ أقلَّ أجرة المثل، فتنفذ وصيته؛ فإنا لا ننكر أن يكون له غرضٌ فيمن عيّنه، في تقواه أو ورعِه، ووقوع دعائه موقع الاستجابة في تلك المشاعر المعظمة. هذا غرض بيّن، فَلْتُنَفَّذ الوصية له.

ولو وجد الورثة من يحج عنه بخمسين، وكانت أجرة مثل ذلك الذي يحج [خمسين] (١)، من غير احتياج إلى فرض مسامحة، فالدَّين المقدم على الوصايا الخمسون، لا غير؛ فإن مقدار الدين من الحج أقل ما يجزىء. ولهذا ينزلّ الحج المحكوم [بكونه] (٢) ديناً على الميقات، كما قدمنا ذكرَه في أول كتاب الحج.

ولكن إذا كان الثلث يفي بالخمسين الزائدة بعد حَطّ المقدار الذي لا بد منه، فقد اختلف أصحابنا في أن مَن أجرته مائة، إذا كان أجنبياً وطلب أن يحج بالمائة، وقال (٣): قدّروا الخمسين وصيةً لي. فهل يجاب إلى ذلك والثلث وافٍ؟ فمنهم من قال: يجاب إليه؛ تحقيقاً لغرض الميت، فربما كان تَوسّمَ فيه مقصوداً. وقد ذكرنا أن مبالغ الأُجَرِ إذا تساوت، يجب تعيين من عيّنه إذا قبل، فقد التحق هذا بما يجب تنفيذه على الجملة، فلينفذ في الصورة التي ذكرناها.

ومن أصحابنا من قال: لا يجاب إلى ذلك؛ إذ لا غرض له فيه، فإن [الخمسين] (٤) قدرُ أجرته، فلا نكلف الورثةَ بذلَ مزيد مال. وليس الآخذ متبرَّعاً عليه، وهو بمثابة ما لو قال: بيعوا داري من فلان، فهذا لا يعد من الوصايا. نعم إذا لم يحتج الورثة إلى بذل مال، فيجوز التعويل على غرض الميت، فأما مقابلة غرضه بمالٍ، وليس المعيّن متبرَّعاً عليه، فلا.


(١) في الأصل: بخمسين.
(٢) في الأصل: بلزومه.
(٣) (ط): وقد.
(٤) في جميع النسخ الثلاث: (المائة) والمثبت تقديرٌ منا. يوجبه السياق.