أطلق عند رجال أي مذهب، فمعناه مؤسس المذهب، فلا شك أن إمام الحرمين ما صار (الإمام) بعد الإمام الشافعي إلا لأن كتابه صار معتمد المذهب ومرجوعه، فهذه (إمامته للمذهب).
وإطلاق هذا اللقب على إمام الحرمين من الشيوع بحيث لا يحتاج إلى إثبات وتدليل. وقد كان شيوع هذا اللقب مبكراً جدّاً؛ فالبغوي المتوفى ٥١٦ هـ عن ثمانين عاماً -فقد ولد سنة ٤٣٦ هـ- ويكاد يكون معاصراً لإمام الحرمين؛ فقد كانت سنُه فوق الأربعين يوم وفاته، وجدناه يقول في (شرح السنة) عند الكلام عن حديث: " مطل الغني ظلم ": " ... قال الإمام: فيه دليل على أنه يجوز لصاحب الحق التشديد على المديون المليء بالقول"(١).
وبلغ شيوع هذا اللقب حَدّاً صار به علماً على إمام الحرمين، فبين يديّ كتاب أدب القضاء لابن أبي الدم المتوفى سنة ٦٤٢ هـ، وقد ورد فيه ذكر إمام الحرمين، والنقل عنه والاستشهاد بكلامه نحو مائتي مرة معظمها بلفظ الإمام، على سبيل المثال جاء في ص ٤٨٤:" قال الإمام: وهذا عندي خطأ ... " وفي ذات الصفحة يقول: "قال الإمام: والمسألة محتملة مع ما ذكرناه" وفي الصفحة التالية ٤٨٥ يقول: " قلت أنا: هذا الخلاف بين الإمام والصيدلاني " وفي ذات الصفحة يقول: " وظاهر فحوى كلام الإمام ... " فهذه أربع مرات متتالية في صفحتين متتاليتين مما يشهد بأن ذلك اللقب صار (علماً) على إمام الحرمين.
ونجد ابن الصلاح المتوفى سنة ٦٤٣ هـ -مع تحامله على إمام الحرمين لما بين المحدّثين والمتكلمين- في كتابه (مشكل الوسيط) جعل هذا اللقب (الإمام) علماً على إمام الحرمين، كرر ذلك في كتابه مراراً، في ثنايا تعقبه لمؤلف (الوسيط) أبي حامد الغزالي، وشيخه إمام الحرمين.
وكذلك نجد العلائي، خليل بن كيْكلدي المتوفى سنة ٧٦١ هـ يحكي في كتابه (جامع التحصيل في أحكام المراسيل) كلام إمام الحرمين في تعريف الحديث
(١) شرح السنة: ٨/ ١٩٤ وهذا عين ما قاله الإمام في النهاية.