والوجه الثاني - أنه لا يثبت له الخيار، قبل بلوغ الخبر إلى الوارث؛ فإنه لو تخير، لكان منفرداً في التصرف في خيار المجلس، في وقتٍ لا ينفذ فيه تصرف صاحبه.
٢٨٩١ - وتحقيق ذلك يستدعي مزيداً؛ فنقول: من مات أبوه في غيبةٍ وهو لم يشعر بموته، فتصرف في ماله، على ظن أنه يتصرف ظالماً في مال أبيه، ثم بان أنه كان مات أبوه، وأنه تصرف في ملك نفسه، ففي نفوذ تصرفه اختلاف قولٍ، سيأتي إن شاء الله تعالى. فإن لم ننفذ تصرفَه في الصورة التي ذكرناها، فالوارث لو فُرض منه فسخٌ، أو إجازة قبل أن يبلغه الخبر، لم ينفذ.
وإن نفّذنا التصرفَ في الصورة المتقدمة، فالوجه أن يقال: إجازته لا تنفذ، وفسخه ينفذ، بناء على القاعدة التي نبهنا عليها في وقف العقود، أما ردُّ الإجازة، فالسبب فيه أن الإجازة رضا، وإنما يتحقق الرضا مع القطع وتصميم العقد، فأما ما كان على تردد، فلا يتأتى منه قطع الإجازة، وقد قدّمنا في تفريع خيار الرؤية أن إجازة المشتري لا تنفذ قبل رؤية المبيع، وفي تنفيذ فسخه كلام، وفيما ذكرتُه من الإجازة في المسألتين احتمال ظاهر.
فإن قيل: إذا قلنا: لا يثبت للعاقد الباقي الخيارُ قبل بلوغ الخبر إلى الوارث، تعليلاً بأنه لا ينفرد بالتصرف عاقدٌ في خيار المجلس، فلو بلغ الخبرُ الوارثَ، والعاقدُ لم يكن مع الوارث في ذلك المجلس، ولم يكن على علم من بلوغ الخبر إلى الوارث، فلا يثبت لهذا العاقد الخيارُ، إذا لم ينفذ التصرف على وقفٍ كما مضى. وإذا كان كذلك، فالوارث لو تخير، لكان منفرداً في تخيره.
ومنشأ ما نُفرعُ عليه منعُ التفرد بالخيار، فلو جَرَينا على حَقِّ هذا القياس، لقلنا: لا يثبت للوارث الخيار إلا إذا كان العاقد عالماً مع علمه. قلنا: هذا مُشكل، ولكن قطع الأئمة أنه يثبت له الخيار كما (١) بلغه الخبر، سواء اقترن ببلوغ الخبر علمُ العاقد الباقي، أو لم يقترن، وعللوا بأن شرط اقتران علمه يعطل خيار الوارث، ويُعسِّر الأمرَ. هذا منتهى الإمكان.