للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وطرد بعض الأصحاب القولينِ في بيع لحم الشاة بالعبد من جهة أنه بيع اللحم بالحيوان.

٢٩٨٨ - والذي يجب التنبه له في مضمون هذا الباب، وأمثالِه أن من الأصول ما يستند إلى الخبر، أو إلى ظاهر القرآن، ولكن القياس يتطرق إليه من أصول الشريعة، فلا يمتنع التصرف في ظاهر القرآن والسنة، بالأقيسة الجليّة إذا كان التأويل منساغاً، لا ينبو نظر المصنف (١) عنه، والشرط في ذلك أن يكون صَدَرُ (٢) القياس من غير الأصل الذي فيه ورُود الظاهر، فإن لم يتَّجه قياس من غير مورد الظاهر، لم يجز إزالةُ الظاهر بمعنىً يُستنبط منه، يَضمنُ تخصيصَه، وقصْرَه على بعض المسمَّياتِ، وقد ذكرت هذا على الاستقصاء في كتاب (الأساليب)، وألحقت فيما مهَّدتُه في ذلك الردَّ على القائلين بالأبدال في الزكوات.

هذا فيما يتطرق إليه المعنى.

فأما ما لا يتطرق إليه معنى مستمرٌ صابرٌ على السَّبْر، فالأصل فيه التعلّقُ بالظاهر، وتنزيلُه منزلةَ النصِّ. ولكن قد يلوح مع هذا مقصودُ الشارع بجهةٍ من الجهات فيتعيّن النظرُ إليه، وهذا له أمثلة: منها أن الله تعالى ذكر الملامسة في قوله (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ) [النساء: ٤٣] وحملها الشافعي على الجسّ باليد، ثم تردّد نصُّه في لمس المحارم؛ من جهة أن التعليلَ لا جريان له في الأحداث الناقضةِ، وما لا يجري القياس في إثباته، فلا يكاد يجري في نفيه، فمال الشافعي في ذلك إلى اتباع اسم النساء، وأصح قوليه أن الطهارة لا تنتقض بمسهنَّ؛ لأن ذكْر الملامسة المضافة إلى النساء، مع سياق الأحداث، يُشعر بلمس اللواتي يُقصدن باللَّمسِ، فإن لم يتَّجه معنى صحيح، دلَّت القرينةُ على التخصيص.

ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم: " ليس للقاتل من الميراث شيء " (٣)


(١) كذا في النسختين، ولعلها: المنصف.
(٢) " صَدَرُ ": أي صدور.
(٣) حديث ليس للقاتل ميراث: أخرجه النسائي: كتاب الفرائض، باب توريث القاتل، ح ٦٣٦٨، ورواه ابن ماجه، ومالك في الموطأ، والشافعي، وعبد الرزاق، والبيهقي، كلهم =