للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذلك إذا عابَت الثمارُ بتركِ السقي، نظر: فإن لم يشعر المشتري حتى تداعَى الأمرُ إلى التلف، فلا خيارَ بعد التلفِ، والانفساخُ على الخلاف. ولكن إن حكمنا بالانفساخ، ارتدَّ الثمن إلى المشتري، وإن قُلنا: لا ينفسخ وقد انقطع الخيار من غير تقصير من المشتري في ترك الفسخ، فعلى البائع قيمةُ الثمار إن لم تكن من ذوات الأمثال، وإن جعلناها من ذوات الأمثال، فعليه المِثل، ويصيرُ تركُ السقي منه بمثابة جنايةٍ ذاتِ سَريان، فإذا تمت السرايةُ وتحقق التلفُ، وجب ضمان التالف على الجاني. هذا إذا لم نحكم بالانفساخ، ولم ينتسب المشتري إلى ترك الخيارِ.

فأمَّا إذا علم المشتري بالعيب وترتُّبه على ترك السقي، فله الخيار، فلو رضي، بطل خيارُه، فلو تَداعَى العَيبُ إلى التلفَ، فإن قُلنا: ينفسخ العقد. فلا كلام. وإن قلنا: لا ينفسخ، فهل يغرَم البائع بدل التالفِ لعدوانهِ، فعلى جوابَين أشار إليهما الأئمة: أحدهما - أنه لا يغرَمُ شيئاً، وكان من حق المشتري أن يفسخَ؛ إذْ أثبت الشرعُ له خياراً. والثاني -[أن عِوضَ الثمار يجب على البائع لعدوانه، وموجَبُ العدوان] (١) لا يسقط بترك المتخيِّر خيارَه.

وهذا يقرب مما قَدَّمناه في أثناء فصل الحجارة المستودَعة، فإنا قلنا فيها: إذا علم المشتري أن ضرراً سيلحَقُه بسبب القلع، فله الخيار، فلو لم يختر والحالةُ هذه، ونقل البائع، فهل يغرم المشتري ما ينقصه القلعُ؟ فيه أوجهٌ ذكرتُها ثَمَّ.

فهذا ترتيبُ القولِ في الجوائح والآفات التي تلحقُ الثمارَ، ما غادرنا غامضةً إلا غُصنا عليها.

فإن قيل: إذا أوجبتم على البائع قيمة ما تلف، فقد حططتم عنه شيئاً؛ فإنه التزم شرعاً تنميةَ الثمارِ وتبليغَها المنتهى، ولولا ما جرى، لانتهت الثمار إلى غايتها، فهلا غرّمتم البائعَ عوضَ الرُّطب الكاملِ مثلاً، أو قيمته، ولم اجتزأتم بتغريمه عوض البلحِ (٢) أو المذنبِ (٣)؟ قلنا: إذا كنا نُلزمُه بطريق الإتلاف، فلا نلزمُه إلا عِوضَ


(١) ما بين المعقفين ساقط من الأصل.
(٢) البلح: ثمر النخل، مادام أخضر، قريباً إلى الاستدارة، حتى يغلظ النوى. (مصباح).
(٣) المذنَّب: ثمر النخيل إذا ظهر فيه شيء من الإرطاب من قبل ذنبه. (الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي).