جميعاً على الشجر، جاز؛ فإنه قد يكون لهما غرضٌ في استبدالِ الرطبين، بأن كان يهوى كلُّ واحدٍ منهما النوعَ الذي لصاحبه. وهذا لا يتحقق في الرطب الموضوع على الأرض؛ فإن الغرض الذي أشار إليه الخبرُ أن يبذل الإنسانُ فاضلَ قوتهِ من التمرِ، ويستبدل عنه رُطباً على الشجر يأكلُه، على مرّ الزمن، شيئاً فشيئاً مع أهله رطباً، وهذا لا يتحقق في الرطب الموضوع؛ فإنه بين أن يفسدَ، وبين أن يجفَّ.
٣٠٧٠ - ومن مسائل الباب أن الخبر الذي رواه زيدُ بنُ ثابت مختصٌّ بالفقراء، فإنه قال:" جاء طائفةٌ من فقراءِ المهاجرين والأنصار، وقالوا: إن الرطب يأتينا، وليس بأيدينا نقد، ومَعنا فضولُ قوتٍ من التمر ". الحديث. وظاهر المذهب أنَّ صحةَ بيع العَرِيّة لا يختص بالفقراء؛ فإن إرخاصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرية مطلق في الألفاظ، وما ذكرهُ زيدٌ حكايةُ حالٍ أداها على وجهِها.
وذكر بعضُ أصحابنا قولاً بعيداً أن صحةَ بيعِ العرايا تختص بأصحاب الحاجةِ، وهذا مذهبُ المزني.
وبيع الجاف بالرطب في سائر الثمار بناه الأصحابُ على القولين في أن الخرصَ هل يجري في ثمارِ سائر الأشجار؟ وفيه اختلافٌ قدّمتُه في كتاب الزكاة. فإن قلنا إنه لا يجري، فالبيع ممتنع لتحقق الجهالة، وإن قلنا: يجري الخرصُ فيهَا، فبيعها باعتبار الخرص يخرج على الخِلافِ المقدم، في الاتباع وطريق الرأي، فمن سلكَ الاتباع منعَ البيعَ، ومن جوَّز الرأيَ سوَّغ هذا. وحق الفقيه أن لا يغفل في تفاصيلِ المسائلِ عما مهدناه في كتاب الزكاة من تفصيل القول في بيع الثمار، وفيها حقُّ المساكين، ولا حق فيها. والتنبيه كافٍ.