للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسببُ فيه أن القبضَ مستحَق على البائع، فإذا أتى به، وقعَ على جهةِ الاستحقاق وإن أباه المستحِق.

وفي بعض التصانيف وجهٌ آخر: أن هذا لا يكون إقباضاً ما لم يقبله المشتري، كما لو وضع مالكُ العينِ عين مالهِ (١) بَيْن يَديْ إنسان، وقالَ: أودَعتُها عندكَ، فهذا لا يكون إيداعاً ما لم يقبل المودَع.

وهذا الوجه عندي يخرّج على قولٍ: وهو أن من عليه دينٌ حالٌّ إذا جاء به، فهل يُجبَر مستحِقه على قبولهِ؟ المذهبُ أنه يُجبَر، وفيه قول بعيدٌ أنه لا يُجبرُ. والقولان (٢) مشهوران (٣) في الدَّينِ المؤجَّل. فإن قُلنا: لا إجبار، فلا يكون ما جاء بهِ إقباضاً، وإن قلنا: إنه يجبرُ، فالظاهر أنه إقباضٌ وفيه احتمالٌ. ولا يَبعُد أن يقال: إذا لم نجعل هذا إقباضاً، فينوب السلطانُ عنهُ ويقبضُ.

ولو كان بين البائع والمشتري مسافةَ التخاطبِ مثلاً، فلو رفعَ المبيعَ من جانبهِ، ووضعَه على نصفِ المسافةِ الكائنةِ بينه وبين المشتري وهو يَبغي بذلك الإقباضَ، ففي حصولِ القبضِ بذلك وجهان، ذكرهما شيخي.

ولو كان وَضَعَه دون النصف، والمسافةُ الباقية وراء المبيع إلى المشتري أكثر من النّصفِ، فلا يكون ما جاء به نقلاً ناقلاً للضَمانِ وإقباضاً. ولو كان الباقي من المسافة أقلَّ مما بين البائع والمبيع، فالذي مضى إقباضٌ؛ فإنا لا نشترط أن نضع المبيع في حجر المشتري، أو بالقُرب منه.

وللناظر فيما ذكرناه فضلُ نظرٍ، ومزيدُ تدبر فيه، إذا كانت المسافةُ بين المتبايعين أكثرَ من مسافةِ التقارب والتخاطب، وذلك بأن تكون عشرين ذراعاً مثلاً، فلست أرى النقلَ إلى بقعةٍ بينها وبين المشتري تسعةُ أذرعٍ إقباضاً، ويقرب أن يقال: ينبغي أن يقع المبيعُ من المشتري على مسافة تنالُ المبيعَ يدُ المبتاع، من غير احتياجٍ إلى قيام وانتقال.


(١) في (هـ ٢): ملكه.
(٢) في (هـ ٢): القولان (بدون واو).
(٣) ساقطة من (هـ ٢).