للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليس له غيره، وإن أجاز، لم يطالِب البائعَ بأرشِ الجناية؛ لأنا نزلنا فعلَه منزلةَ آفةٍ سماوية.

فإن قيل: هلاّ سلكتُم هذا المسلكَ فيه إذا كان الجاني أجنبيّاً؟ قلنا: لا تعلّق للعقد به، وإنما يلتزم ما يلتزم بالجناية المحضة، فيستحيل أن نُحبط جنايتَه في جهةٍ من الجهات، [نعم] (١) يجوز أن يختلف مستحِق الأرش، فأما أن يَبْرَأَ الجاني، فهذا محال. وإذا كان الجاني هو البائع، وجعلنا فعلَه كآفةٍ سماوية، فعهدةُ العقدِ متعلقةٌ به، فكفى إثباتُ حقّ الرد للمشتري، وهذا بمثابةِ إتلافهِ على قولنا: إنه كالتلف السماوي، فإنا لا نُلزمه القيمةَ.

والمرأةُ إذا ارتدت، فقد أفسدت على زوجها حقَّ المستمتعِ، ولا تنزل منزلةَ المرضعةِ تُفسدُ النكاح بالإرضاع.

وإن عاب المبيع بجنايةِ المشتري بأن قطع [يدَ العبدِ] (٢) المبيع، فلا شك أنه لا خيارَ له، وإن جرى القطعُ في استمرارِ يدِ البائع، ولكنا نجعله قابضاً لمقدارٍ من المبيع؛ فإن إحباطَ الجنايات لا سبيلَ إليها، والعيبُ في هذا المقام بمثابةِ جزء من المبيع.

ثم قال العلماء: إن ألزمنا الأجنبي أرشَ القطعِ، فجراحُ العبدِ من قيمته، كجراح الحرِّ من ديتِه على النَّصِّ. وفي المسألة قولٌ آخر خرّجَه ابنُ سُريج: إنه يتعلق بالجنايةِ نقصانُ القيمة، وسيأتي ذلك في كتاب الخراج.

وإن جعلنا البائعَ كالأجنبي في الجناية، فقطع يدي العبدِ، ثم رجليه، واندملت الجراحات، فقد نُلزمه بسبب اليدين القيمة الكاملة وبسبب الرجلين قيمة عبدٍ أقطعَ اليدين، ثم نسلِّم العبدَ إلى المشتري إذا كان أجاز، ولا نلزمه إلا الثمن المسمَّى.

٣١١٤ - وأما إذا كان الجاني هو المشتري، فقد قطع الأئمة بأن المرعيَّ في حقه النقصانُ لا المقدَّر، والسببُ فيه أنا لو اعتبرنا المقدّرَ، لجعلناه قابضاً للعبد حُكماً إذا


(١) في الأصل: ثم.
(٢) ساقط من الأصل.