للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الاختلافُ يقربُ من تقابل الأصلين، ويعتضد الوجهُ الأخير، بأنَّ ردّ المقبوض ليس يتضمن فسخَ العقد، حتى نقولَ: الأصلُ استدامةُ لزومهِ، وليس في تصديق القابض إلا الاستبدالُ.

ومما يتعلق بهذا الفصلِ أن المتبايعين إذا تنازعا في قدم العيب وحدوثه، وجعلنا القولَ قولَ البائعِ مع يمينه، فمقتضى اليمينِ حدوثُ العيب، ولكن البائع مصدَّقٌ في نفي قِدمهِ، لا في حقيقةِ حدوثهِ.

ويظهرُ أثرُ هذا في مسألةٍ، وهي أن المتبايعين بعد جريان ما وصفناه، لو تنازعا في مقدار الثمن مثلاً، وتحالفا وتفاسخا، فإذا ارتدَّ المبيع إلى البائع، قال: غرّموه أرشَ العيب؛ فإني أَثبتُّ حدوثَه، لم نُجبه إلى ذلك؛ فإنا صدقناه (١) محافظةً على استدامةِ لزومِ العقد، ودفعاً لما يطرأ عليه بالقطع. فالآن إذا انتهى الأمر إلى تغريم المشتري شيئاً بيمين غيرِه، والأصلُ براءةُ ذمته، فلا سبيل إلى التزامِ هذا.

٣١٦٥ - ومن نظائر ذلك أن الوكيل بالبيع واستيفاءِ الثمن إذا قالَ: قد استوفيتُ الثمنَ، وسلمتُه إلى الموكِّل، قُبِل قولُه مع يمينهِ؛ لأنه مؤتمن من جهةِ موكِّله. فلو استُحِق المبيعُ في يَدِ المشتري، واقتضى الحالُ الرجوعَ بالثمن، فلا نرجع على الموكِّل؛ فإنه أنكر قبضَ الثمن، وكُنَّا صدقنا الوكيلَ حتى لا نغرِّمَه [شيئاً وهو مؤتمن، فأما أن نغرمه] (٢) حتى تُشغلَ ذمة الأصلُ براءتها، فلا سبيل إلى ذلك.

وإذا تولَّجت مسألة من كتابٍ في كتابٍ، فهي غريبة، ولا وفاءَ باستقصائها إلا في كتابها.

ونقل الأئمة عن الشافعيِ مسألةً في الاختلاف تدنو من الأصل الذي ذكرناه، وهي أن من اشترى عبداً وبه وَضحٌ (٣)، ثم حدث بياضٌ آخر، ثم زال أحدُهما، فقال البائع: الزائل البياضُ القديم، فلا ردَّ لك، وقال المشتري: الزائل البياضُ الحادث


(١) في (ص): صدقناه أولاً. وفي الأصل: ولا محافظة.
(٢) ساقط من الأصل.
(٣) الوضح: بياض البرص. (معجم).