للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من باع عبداً، وله مالٌ فماله للبائع" (١).

فإضافة المال إلى العبد شاهدة لثبوت المِلكِ. وللتأويل توجّه ظاهر على اللفظ.

التفريع على القولين:

إن قلنا: لا يُتصوّرُ أن يملك القِنُّ، فلا كلام، والتمليك لاغٍ من السيد.

وإن قلنا: تمليك العبد القِنِّ صحيحٌ، فمِلْكُه جائزٌ معرض لاسترجاع المولى متى شاء، ولا يملكُ العبدُ شيئاً من التصرفات بحق الملكِ الذي ثبت له، حتى يأذَنَ السيد فيه. وهذا وفاقٌ.

وهل يتسرَّى العبدُ الجاريةَ (٢) التي ملّكه السيدُ إيّاها؟ نُظر: فإن أَذِن له في التسريّ، فالذي ذهب إليه الجمهورُ من الأصحاب أن له أن يتسرى بالإذن. وذهب الأستاذ أبو إسحاق إلى أنه لا يتسرّى مع الإذن؛ فإن الوطءَ يستدعي ملكاً كاملاً، وملكُ العبد غيرُ كاملٍ. وإن لم يأذن السيد للعبد في التسري، فمُطلَقُ التمليك لا يُسلّطه على التسرّي عند معظم الأصحاب.

وذكر بعضهم وجهاً آخر أن مطلَقَ التمليك يفيد جواز التسرِّي وإن لم يجرِ فيه إذنٌ. وهذا ضعيفٌ مع اتفاق الأصحاب على أن مطلَقَ التمليكِ لا يُسلّط العبد على التصرفات؛ والتسري تصرفٌ من التصرفاتِ، ولعل صاحبَ المذهبِ يطرد مذهبَه في أكل الطعام المملّكِ وشُرب الشراب. وإنما يسلِّمُ افتقارَ العقود إلى الإذن. فإن طرد إذنَه في التصرفات جُمَع قياساً على المتّهبِ الذي يَثبت للواهب حق الرجوع فيما وهبَهُ منه، فهو بعيدٌ لم أره لأحدٍ.

وأكْثَرَ الأصحابُ في تفريع أحكام المِلكِ، ولا معنى لها، والشرط التعرض لما يختصُّ بملك العبد القِنّ.


(١) حديث من باع عبداً وله مال. متفق عليه من حديث ابن عمر، البخاري: كتاب الشرب والمساقاة، باب الرجل يكون له ممرّ أو شرب، ح ٢٣٧٩، ومسلم: البيوع، باب من باع نخلاً عليها تمر، ح ١٥٤٣، الرقم الخاص (٨٠)، وانظر (تلخيص الحبير: ٣/ ٧٢ ح ١٢٢٤).
(٢) الجارية مفعول يتسرّى، فالفعل يتعدى بغير الباء: تسرّى الشيءَ: اختاره (معجم).