للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوجه عندي في تقرير هذه الطريقَةِ أن النكاح في وضع الشرع في حكم المستثنى عن مضطرب الاختلاف، حتى كأنّ الصداقَ ليس في حكم الأعواض المقابلة، وإنما هو مُتعة معجلة للمرأة من جانب الزوج. وهذا المعنَى هو الذي أوجب للزوج [الحكمَ] (١) ببقاء النكاح في نهاية التحالف، فكأنَّ الاختلافَ منحصرٌ (٢) في الصداق، فالزوج إذاً هو الذي يُتلقى ملكُ عين الصداق منه، كما أن البائعَ يتلقى ملك المبيع منه، فهذا هو الذي اقتضى البدايةَ بالزوج في الصداق.

٣٢٦٣ - وذكر صاحبُ التقريب طريقين سوى ما ذكرناهما: إحداهما - أن القاضي يبدأ بمن شاء، فلا احتكام عليهِ، والأمر في ذلك مفوّض إليه. وهذا القائل يحمل نصوصَ الشافعيّ على حكم الوفاق في إجراء الكلام، فإنه إذا لم يكن من البداية بأحدِهما بُدُّ، فقد يتفق للخائضِ في الكلام أن يستفتحَ تقديرَ البداية بأحدهما، ثم لا ضَبط للوِفاقِ، فتارةً يَتّّفقُ ذكرُ جانبٍ، وتارة يتفق ذكر جانبٍ آخر.

والطريقة الثانيةُ - وهي تداني هذه في مأخذها، أن القاضي يُقرع بينهما إذا تنازعا البداية، كما يُقرع بين متساوقين إلى مجلسهِ، وكل يبغي أن يقدّم خصومَته.

والطريقتان صادرتان على قياس؛ فإن المتبايعين إذا كانا يتحالفان، ولا يقدم أحدهما بالتصديق مع اليمين، فلا فرقَ. وما يتكلّفه الفقهاء من تقوية جانبٍ على جانبٍ إذا كان لا يفيد التصديقَ، فلا معنى له. وإذا كان كذلك، فلا ينقدح إلا مسلكان: أحدهما - ردُّ الأَمْر إلى خِيَرةِ القاضي، والآخر - الإقراع.

فإن قيل: قطعتم بالإقراع بين المتساوقين إلى مجلس القاضي، ولم تردُّوا الأمرَ إلى اختيار القاضي، فما الفرق؟ قلنا: ذاك مفروض في خصومتين، وللمتقدّم غرضٌ ظاهر في تنجُّزِ مقصوده وانقلابه، والخصومةُ واحدةٌ في مسألتنا لا تنفصل بأحدِ الجانبين، فَذَكَرْنا الخِيَرَة في الاختلاف لهذا.


(١) ساقطة من الأصل.
(٢) في الأصل: فكان الاختلافُ منحصراً.