للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلو قالَ المتعاقدان: لا نريد أن نفسخ، ونحن على خصامِنا نتنازع، فالقاضي يفسخ.

وإن قالا: أعرضنا عن الخصومة، ولم يصدّق أحدُهما صاحبَه. ولكن زعم المشتري أنه تَركَ المبيع في يدِ البائع، وقالَ البائع لستُ أطالبُ المشتري بالمزيد الذي ادّعيته، فاتركنا ولا تفسخ العقدَ بيننا. فللأصحاب في هذا لفظٌ ننقله، ثم ننظر.

قالوا: "إذا جَرى التحالفُ، فإن رغب أحدُهما في الأخذ بقول صاحبهِ، فذاك، وإلَاّ فسخ بينهما للتعذر".

وظاهر هذا يدل على أن أحدهما إن صدَّق الآخر، اندفع الفسخ. وإن لم يجرِ من أحدهما تصديقُ الآخر، فالقاضي يفسخ.

ولكن في كلام الأصحاب ذكرُ التعذر، فإنهم قالوا: "فسخ للتعذر" والمسألةُ على الجملة محتملةٌ إذا أعرضا وقطعَا الطَّلِبة، فيجوز أن يقال: يقطع القاضي مادَّة الخصومة بالفسخ؛ فإنّه لا يأمن أن يعودا في مستقبل الزمان. وإنما تنقطع مادةُ الخصام بالتصادق على قولٍ أو بالفسخ.

ويجوز أن يقال: إذا أعرضا، فلا تعذُّرَ، وإنما التعذُّر إذا كانا على التآخذ والمطالبة، وقالا للقاضي: وفِّ حَقَّ كُلِّ واحدٍ منَّا على ما يليق بالحال، أو التَمسا الفسخَ، فيبعدُ (١) أن نحكم بوجوب الفسخ.

فهذا تردد واقع.

ثم نقول: إن كان الفاسخ هو القاضي، فالذي ذكرهُ الأصحابُ في الظاهرِ والباطنِ مفهوم.

وإن قلنا: الفسخ إلى المتعاقدَيْنِ، فإن توافقَا على الفسخ، فلا شك في انفساخ العقد باطناً، ولا يجوز أن نقدِّر في هذا خلافاً؛ فإنهما إذا تفاسخا، فقد جَرى الفسخُ من صَادقٍ محق، فيجب القضاءُ بتنفيذ فسخه، سواء كان ذلك المحق البائع أو المشتري. فإن كان المحق هو البائع، فهو مشبهُ بمسألة الفلس. وإن كان المحق هو


(١) في الأصل: ويبعد.