للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظهر اختلاف الأصحاب في أن البيع إذا اشتمل على شرط خيار ثلاثة أيامٍ، فابتداء زمان الخيار يحسب من وقت العقد، أو من وقت التفرق؟ فيه وجهان ذكرناهما: أقيسهما - أنه من وقتِ العقد؛ فإن وقت التفرق مجهول، والمجلس قد يقصر وقد يطول، وإثبات المجهول لا يليق بعقد البيع. هذا هو القياس.

والوجه الثاني - أن ابتداء المدة محسوبٌ من وقت التفرق، وعليه يدلّ نص الشافعي، وقد ذكرنا توجيهَ هذا الوجه في موضعهِ. والغرضُ من إعادته ما ذكرنا من ميل النصّ إليه.

وإذا كان كذلك، فيتعين الاعتناءُ بالجواب عما ذكره صاحبُ الوجهِ الآخر من الجهالةِ، فنقول: لا جهالةَ في الخيارِ المشروط، وإنما الجهالةُ في أمدِ المجلس، وذلك محتمل بلا خلافٍ. والذي ذكره ناصرُ ذلك الوجهِ لا يفضي إلى جهالةٍ في الخيار المشروط، فإن جُهِلَ مبتدؤه، فهو بمثابة الجهل بمبتدأ لزوم الملك. وهذا بالِغٌ في دفع فصل الجهالةِ.

والذي يتوجَّه به النصُّ أن شرط الخيار يشعر بتخير مشروطٍ، لولا الشرطُ، لثبت نقيضُه. ولو أثبتنا خيار الشرط من ابتداء العقد، لما كان في الشرط معنى، والخيارُ ثابتٌ لحق المجلس، والأجلُ المطلق في العقد خارج على الخلاف أيضاً. ولكن الإمام (١) كان يرتّبه على خيار الشرط، ويقول: إن حكمنا بأن ابتداءَ الخيارِ محسوبٌ من وقتِ العقد، فالأجل (٢) بذلك أولى. وإن قلنا: ابتداءُ خيار الشرط من وقت التفرق، ففي الأجل وجهان. والفرق أن الخيارَ يجانس الخيارَ، فيبعد اجتماعهما.

والأجل يخالف الخيارَ في مقصوده ووضعه، فلم يبعد أن يثبت في وقت ثبوت الخيار.

فإن قيل: هذا الفرق واضح جداً، فما وجه قول من يقول: الأجلُ يحسب ابتداؤه من وقت التفرق؟ قلنا: وجهه أن المقصود من الأجل تأخير الطلِبة بالثمن، وهذا المقصود يحصل بالخيار؛ فإن البائع لا يملك الطَّلِبةَ بالثمن في زمان الخيار، فالأجل


(١) الإمام يعني به والده أبا محمد.
(٢) في الأصل: والأجل.