فقال بعضهم: يقبضه المشتري، ثم يباع عليه، أو يبيعه بنفسه.
وقال آخرون: لا يقبضه كما لا يشتريه؛ فإن القبض أمر اختياري يؤثر في تأكيد الملك؛ فينبغي أن يمتنع. فالوجه أن يأمر القاضي من يقبضُ المبيعَ عنه، ثم يبيعه عليه.
ولا يخفى على هذا الوجه أن يتخير في فسخ البيع؛ فإن ما جرى من التعذر طارئاً لا ينقص عن إباق العبد قبل القبض. فهذا ما ذكره الأصحاب.
والمسألة تستدعي مزيد تفصيل عندنا: فإن كان البائع مسلماً، فالأمر كما ذكرناه.
وإن كان كافراً، فلو حكمنا بانفساخ العقد، لقلبناه من كافر إلى كافر، فلا ينقدح وجهُ الانفساخ إلا على بعد. وهو أن الانفساخ يقع قهرياً، وقد ثبت للكافر ملكٌ قهري، على المسلم. وهذا كلامٌ مطلق؛ فإنا حيث نثبت الملك القهري على المسلم، فسببه ضروريٌّ؛ فإن العبد إذا أسلم في يد الكافر، فلا سبيل إلى تخيره، والقضاءِ بانبتات مِلكه. وكذلك إذا فرض إرث؛ فقَطْعُ التوريث مستحيل. فأمّا فيما نحن فيه، فالمطلوب من الانفساخ رعايةُ حرمة الإسلام. وهذا المعنى لا يزول بالانفساخ.
٣٣٥٦ - ومما يفرع على قول المنعِ أن الكافر لو ألزم ذمة المسلم بطريق الاستئجار عملاً، جاز ذلك؛ فإن الاستحقاق لا يتعلق بعين المسلم، وله أن يحصله بغيره.
وهل يستأجر الكافر عينَ المسلم على منع الشراء؟ وجهان: أحدهما - لا يجوز ذلك، كما لا يشتري مسلماً. والثاني - يجوز؛ لأن الإجارة لا تفيد ملكاً في الرقبة، ولا يتحقق بها الذِّلة. ولو كان فيها ذلةٌ، لما جاز استئجارُ الحر (١) المسلم. ثم للإجارة منتهى محدود بخلاف الشراء.
فإن قلنا: تصح الإجارة، فهل يؤاجر عليه كما يباع عليه عبده المسلم؟ فعلى وجهين: وتوجيههما يقربان من توجيه الإجارة في الأصل.
وللمسلم أن يعير عبده المسلم من كافرٍ، وله أن يودعه عنده. وذكر الأئمة وجهين
(١) ساقطة من الأصل. وفي (ت ٢): استئجار الحر العبد. وفي (ص): استئجار العبد.