ولكنا لم نعجل بحمل الأمر على خطأ الناسخ، أو لحن المؤلف -كما يبادر إلى ذلك البعض- وأخذنا في البحث فوجدنا ابنَ مالك يقول:" حذف نون الرفع في موضع الرفع لمجرد التخفيف ثابت في الكلام الفصيح نثره ونظمه ".
ثم وفّى المسألة بذكر الأمثلة، وأفاض في التعليل النحوي لهذا الحذف (١).
* ومن ذلك حذف الفاء في جواب (أما) على غير معهودنا ومألوفنا، ومن طريف ما يحكى في هذا الموضع أن العلاّمة الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية المتوفى ١٣٥٤ هـ-١٩٣٥ م، كان في مناظرة، فوقع حذفُ الفاء في جواب (أما) في كلامه، فظن مناظرُه أنه يستطيع إحراجه، فقال له:" أين الفاء؟ " فأجابه الشيخ على البديهية: " ذهب بها الكوفيون يا بصريّ ".
ويبدو أن هذه اللغة كانت شائعة في القرن الخامس الهجري، فأنت واجدٌ هذا في كتب الغزالي، وأبي إسحاق الشيرازي، وابن السمعاني، وغيرهم، وليس في (نهاية المطلب) وحده.
وقد رأيت من أفاضل المحققين من ضرب إسقاط الفاء في جواب (أما) مثلاً للأخطاء النحوية التي وجدها عند المؤلف، وصوَّبها من غير إشارة إليها، وتنبيه عليها في الحاشية.
ومقابل هذا كم من محقق غيَّر، ولم ينبه، ولم يُشر.
وقد بلغ حذف هذه الفاء -في كتابنا هذا- من الكثرة حدّاً جعل التمثيل له بذكر جملة من كلام الإمام غيرَ ذي جدوى.
وقد أكثر الغزالي من حذف هذه الفاء، حتى علق النووي في التنقيح على قوله:" أما قولنا: تراب، يندرج تحته الأعفر ".
قال النووي: "هكذا هو في النسخ (يندرج) بغير فاءٍ، والمشهور في العربية جواب أما بالفاء، وقد أكثر المصنف وغيره من حذف هذه الفاء، وهي لغة صحيحة،
(١) ر. شواهد التوضيح، بتحقيق الدكتور طه عبد المحسن: ٥٨، ٥٩.