للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصحابنا فيه، فمنهم من منع الإقراض لأدائه إلى مقابلة الخبز بالخبز. ومنهم من جوز للحاجةِ الماسة، كما يجوز مقابلة الدراهم بالدراهم من غير تقابضٍ. وإلى هذا مال القاضي.

وقد نجز الكلامُ في أصول القرض.

٣٣٨٤ - وحان أن نُفَصِّل القرضَ الذي يجر منفعة، فنقول: صح أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن قرضٍ جرَّ منفعة " (١) واتفق المسلمون على منع ذلك على الجملة، وإن كان مِنْ تردُّدٍ، ففي التفصيل. والمعنى المعتبر أن القرض معروفٌ أثبته الشارع لمسيس الحاجة. واستثناه عن تعبداتِ البياعاتِ، وإنما يتحقق معروفاً إذا لم يقصد المقرض جرَّ منفعة.

فإذا أقرض رجُل رجلاً دراهمَ مكسّرة وشرط أن يردها صحيحةً، فالقرض فاسد.

ومن هذه الجملة السفاتج (٢)، فإذا جرت مشروطة، فأقرض رجل رجلاً مالاً ببلدةٍ، وشرط أن يرده ببلدة أخرى، فهذا الشرط يفسد القرض؛ فإن المقرض يبغي به درْءَ خطر السفر عن ماله. وهو منفعة ظاهرة.

فإن قيل: أتجوزون القرض على شرط الرهن والكفيل؟ قلنا: هو جائز، لا خلاف فيه، وليس هو من القرض الذي يجر منفعة؛ فإن الرهن لا منفعة فيه إلا التوثيق. وكذلك الكفيل، وليس في استيثاقِ المقرض بالرهن جلبُ منفعة زائدة؛ فإنه كان بملكه أوثقَ منه بالرهن الآن.

ولو قال: أقرضتك هذه الدراهمَ الصحاح على أن تردها مكسّرة، فهذا حط من مقدار الحق، وليس جلبَ منفعة، ثم تفصيله أنه إن لم يكن هذا القرض (٣) في معرِض


(١) حديث: " نهى عن قرضٍ جرَّ منفعة ". لم يصح مرفوعاً، لكنه صح عن ابن عباس موقوفاً، وهو مروي بهذا اللفظ عن علي كما روي موقوفاً على ابن مسعود، وأبي، وعبد الله بن سلام. (ر. معرفة السنن والآثار: ٤/ ٣٩١، والكبرى للبيهقي: ٥/ ٣٤٩، ٣٥٠، وتلخيص الحبير: (٣/ ٧٩، ٨٠ ح ١٢٣٥، والإرواء: ح ١٣٩٧).
(٢) السفاتج: جمع سفتجة، قيل بضم السين، وقيل بفتحها، وأما التاء فمفتوحة، فارسي معرب (المصباح).
(٣) كذا في النسخ الأربع. ولعلها: " اللفظ " (مكان القرض).