للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣٣٨٥ - ثم ما ذكرناه من أن القرض إذا اشتمل على شرط يجرّ منفعة، فهو فاسد، فهو فيه إذا كان المالُ المقترضُ من أموال الربا. فأما إذا لم يكن من أموال الربا، فالشرط الذي يجر المنفعة هل يفسده؟ فعلى وجهين ذكرهما صَاحب التقريب والعراقيون: أحدهما - أن القرضَ يفسد؛ لأنه إذا اشتمل على جرِّ المنفعة، كان المال خارجاً عن وضعه ومقصوده.

والوجه الثاني - أنه لا يفسد؛ فإن المحذور في مال الربا أن يُردَّ إلى قياسِ المعاوضة، ثم إذا رُدّ إليها، فسد من قِبَل ترك التقابض في المجلس. وإذا كان المال خارجاً عن الربا، لم يضرّ ردُّ القرض إلى قياس البيع.

وهذا فيه نظر من قِبَل أنه إذا رُدّ إلى قياس البيع، وجب فيه التزام شرائط البيع، من تسمية العوض ورعاية شقي العقد إيجاباً وقبولاً، ثم يكون هذا خارجاً عن الباب بالكلية، ويرجع بيعاً محضاً.

ومن جوز هذا من أصحابنا لم يشترط ردّه بيعاً محضاً. فليفهمه الناظر. وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمر عمرو بنَ العاص حتى استسلف بعيراً ببعيرين إلى إبل الصدقة " (١) ثم مهما (٢) حكمنا بفساد القرض لم يملك المستقرض ما أخذه على قولنا بحصول الملك بالقبض، ولم يملك التصرف فيه على القول الآخر.

فرع:

٣٣٨٦ - إذا أقرض رجل رجلاً دراهمَ ببلدة، ثم رآه في بلدة أخرى، وأراد مطالبته بالقرض، نُظر في المال: فإن كان مثل النقود التي لا عسر في نقلها، ولا تتفاوت قيمتُها بتفاوت البقاع، فظاهرُ المذهب أن لمستحق الحق مطالبتَه. وإن


(١) حديث: " أمر عمرو بن العاص حتى استسلف بعيراً ". ذكره الحافظ في التلخيص على أنه كان مع عبد الله بن عمرو، لا مع عمرو. والحديث رواه أبو داود: كتاب البيوع، باب في الرخصة، ح ٣٣٥٧. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود. وانظر كلام الحافظ: التلخيص: ٣/ ١٨ ح ١١٣٩، وما قاله الخطابي في المعالم. وقد أخرجه الدارقطني: ٣/ ٦٩، والبيهقي: ٥/ ٢٨٧.
(٢) "مهما": بمعنى (إذا).