للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما السفر في البر، فقد ذكر الأصحابُ فيه وجهين وقالوا: أظهرهما - أنه يملك المسافرة، فإنه جهة في الاكتسابِ، وهو موكول إلى نظر الوصي.

والوجه الثاني - أنه لا يملكه، كما لا يملك المودعَ المسافرةَ بالوديعة. والأول يقول: لم يُجعل إلى المودعَ النظرُ لمالك الوديعةِ، وجُعل إلى الوصي النظر في استنماء مال الطفل. وهذا يُعذ من جهات الاستنماء.

وما ذكرناه من الخلاف في البيع نسيئة من غير رهن قريبُ المأخذ من المسافرة مع غلبة الأمن.

هذا قولنا في البر.

فأما المسافرة بمال اليتيم في البحر فإن كان معطبةَ، فلا سبيل إليه، وإن لم يكن كذلك، وكان يركبه التجار في تجايرهم، وقد يقال: الأمن غالبٌ فيه، فقد قطع معظم الأصحاب بالمنع عن المسافرة فيه بمال اليتيم. بخلاف البر؛ فإن غرر أسلمِ البحار لا ينقص عن خطر البر مع الخوف.

وذهب بعض الأئمة إلى أن هذا يخرّجُ على وجوب ركوب البحر للحج. فإن لم نوجبه، فلا يجوز المسافرةُ بمال الأطفال فيه. وإن أوجبنا ركوبَ البحر للحج، فقد نزلناه منزلة البر. وقد صح: "أن عائشة أبضعت بأموال بني (١) محمد بن أبي بكر في البحر" (٢).

ومن منع ذلك، تعب في تأويله، وأقربُ مسلك في ذلك أنها أمرت بذلك والممر على السَّاحل الذي لا يتوقع فيه غررٌ من جهة البحر، فإذا كان كذلك، فهو كالبر لا شك فيه. وقيل: لعلها فعلت ذلك بشرط الضمان، وهذا بعيد؛ فإن ما يضمن، فهو ممنوع.

والأولى أن يقال: رأت ذلك رأياً، والمسألة مظنونة.

٣٣٩٣ - ومما يتعلق بغرض الباب أن أئمة العراقِ والقاضي ذهبوا إلى فرقٍ بين


(١) ساقطة من (ص)، (ت ٢).
(٢) أثر عائشة رواه الشافعي. ر. مختصر المزني: ٢/ ٢٠٦.