فأما إذا أقر بما يوجب العقوبة، فالذي ذهب إليه الشافعي وأبو حنيفة ومعظمُ العلماء أن إقراره مقبول، وإن كان تنفيذ المقرّ به يوجب إبطال حق المولى من ماليَّته، فإذا اعترف بما يوجب القصاصَ في النفس، أو القطع في الطرف للآدمي أو لله تعالى، نفذ إقراره، ويحكم به.
وخالف في ذلك المزني، ولم يرَ قبولَ إقرارهِ؛ لاعتراضه على ملك مولاه. وهذا مذهب محمد وزفر وأحمد (١) وداود.
ومعتمد مذهبنا أن الإقرار حجةٌ من الحجج كالبيّنة، فالمقبول منه ما لا تهمةَ فيه، وإقرار العبد كذلك؛ فإن العاقل لا يعرّض نفسه للهلاك حتى يخسِّر غيرَه شيئاً نزراً من المال، والشاهد لذلك أن السيد على أنه المالك إذا أقر بما يوجب العقوبةَ، فإقراره مردود لما ذكرناه من التهمة، وإن كان لو أباح دمه صار هدراً. فالإقرار إذن في الرد والقبول يعتمد ثبوتَ التهمة وانتفاءها.
ولو قدر مقدر تهمةً على بُعدٍ في إقرار العبد، فالتهمة البعيدة غيرُ معمول بها.
٣٤١٥ - فإذا ثبت هذا، فلو أقر العبد بما يوجب القصاص، ونفذنا إقراره، فإن اقتص المقَرُّ له، فذاك، وإن عفا عن القصاص الثابت على مال، فالأحسن تنزيل ذلك على القولين في أن موجَبَ العمد ماذا؟ فإذا حكمنا بأن موجبه القَوَد المحضُ، فالمال يثبت إذا عفا المقَرُّ له على مالٍ؛ فإن هذا المال، لم يثبت بالإقرار نفسه، وإنما ثبت بالعفو عن العقوبة الثابتة بالإقرار. هذا إذا قلنا: موجَبُ العمد القَودُ.
فأما إذا قلنا: موجبه القود أو المال، أحدهما لا بعينه، فإن اقتصَّ المقَرّ له، نفذ الأمر. وإن أراد الرجوعَ إلى مالِ، فهذا يستدعي مقدمةَ:
وهي أن العبد إذا أقر بسرقةِ مالٍ، وزعم أنه أتلف ما سرق، فإقراره مقبولٌ في وجوب القطع لله تعالى، لما ذكرناه. وهل يقبل إقراره في تعلق قيمةِ ما اعترف بسرقته برقبته؛ فعلى قولين مشهورين: أحدهما - لا يتعلق؛ فإن ذلك إقرار بإبطال مالية السيد من الرقبة من غير واسطة.