للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - إن علم الحديث ليس بالعلم الذي يمكن الإحاطة به إحاطة كاملة، فما من محدث حافظ إلا وتعقبه متعقب في حديث أو أكثر.

وعبر عن هذا شيخ الإسلام ابن تيمية قائلاً: " ولا يمكن لواحد أن يحيط بجميع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدعي.

والدليل على ذلك أن أبا بكر رضي الله عنه - وهو الذي لا يفارق النبي صلى الله عليه وسلم حضراً ولا سفراً سأل عن ميراث الجدة، فأخبره المغيرةُ بنُ شعبة، ومحمد بنُ مَسْلمة بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك عمر رضي الله عنه، خفيت عليه أحكام: منها حكم المجوس في الجزية، حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " (١) ا. هـ.

٣ - ثم إن هذا العلم ليس من العلوم التي تقبل الشركة، بل هو علم من يهب له نفسَه، ويعطيه كلَّه، ولا يلتفت إلى غيره، قال الخطيب البغدادي: " علم الحديث لا يعلق إلا بمن قصر نفسَه عليه، ولم يضم غيره من الفنون إليه.

وقد قال الشافعي رضي الله عنه: أتريد أن تجمع بين الفقه والحديث؟ هيهات!

وقد كان شيخ الإسلام، أبو إسماعيل ابن الأنصاري، الأصبهاني، الهروي، يقول: هذا الشأن -يعني الحديث- شأن من ليس له شأن سواه " (٢).

٤ - إنني لا أنصب نفسي محامياً عن إمام الحرمين؛ فليست المسألة مسألة اتهام ودفاع، وتعصب وتحزب، وإنما هي مباحثة علمية نبغي بها وجهَ الصواب، والبحثَ عن الحقيقة بدليلها، ووزن الأمور وتقديرها، متجردين من الهوى والميل، سائلين الله سبحانه أن يلهمنا الصواب، ويعصمنا من الزلل، وأن يقيض لنا منصفين ينظرون في كلامنا هذا بعين الإنصاف.

٥ - إن إمام الحرمين وحده- فيما أعلم- حظي بهذا القدر من الهجوم في هذا


(١) رفع الملام عن الأئمة الأعلام: ٥ - ٧.
(٢) الرسالة المستطرفة: ٢٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>