٣٥٢٥ - أما اشتراط الاستقلال والاتصاف بشرائطه عند العقد وعند القبض، فبيّن لا إشكال فيه، وإنما الكلام فيه إذا تخللت أحوال بين العقد وبين القبض، ثم فرض زوالها، فهل يُقضى بارتفاع العقد وانفساخه؟ أم كيف الكلام؟
الذي يقتضيه الترتيب أن نذكر موت الراهن، أو موت المرتهن بين العقد والقبض، نص الشافعي على أن الرهن يسلم إلى ورثة المرتهن، وهذا تصريح منه بأن الرهن لا يبطل بموت المرتهن قبل القبض.
وحكى بعض أصحابنا نصّاً أن الراهن لو مات قبل الإقباض، بطل الرهن. ثم اختلف الأئمة: فمنهم من جعل في موت الراهن والمرتهن قبل القبض قولين: أحدهما - أن الرهن يبطل بموت كل واحد منهما؛ فإنه على حقيقة الجواز قبل القبض، والعقود الجائزة تنفسخ بموت أحد المتعاقدين في أثناء الجواز، والذي يحقق ذلك أن القبض فيما يشترط القبض فيه يقع موقع أحد جوابي البيع وغيره؛ فإنه ركن في تحصيل مقصود العقد.
والقول الثاني - لا يبطل العقد بموت كل واحد منهما؛ فإن مصير العقد إلى اللزوم على الحد المعلوم، فكان الموت قبل القبض كموت أحد المتعاقدين في زمان الخيار.
ومن أصحابنا من قال: يبطل الرهن بموت الراهن قبل القبض، ولا يبطل بموت المرتهن. والفارق أن الراهن ربما يموت وعليه ديون مستغرقة، فإذا لم يلزم الرهن بالقبض، فالوجه انقطاع الرهن، وتقديم الحقوق اللازمة. وإن لم يكن ديون، فلا نظر إلى هذا، بل النظر إلى إمكانه.
قال الشيخ أبو محمد: السديد في ذلك أن نقول: إن مات الراهن وخلَّف ديوناً مستغرقة، فلأصحاب الديون المنعُ من تخصيص المرتهن بشيء. لا يجوز خلاف ذلك.
فأما إذا لم تكن ديون مستغرقة، أو كانت، ورضي الغرماء بالتخصيص وإنفاذ الرهن؛ فإذ ذاك يختلف الأصحاب.
٣٥٢٦ - والمذهب الظاهر أن الرهن لا يبطل بموت المرتهن، ولا بموت الراهن، لما ذكرناه من أن العقد مصيره إلى اللزوم، والعقود الجائزة التي تنفسخ بالموت