للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٤٠٣٤ - ومنع أبو حنيفة بيع العروض والسلع في الديون، وناقض، فجوّز بيعَها في بعض النفقات، وسوغ على العموم صرف الدراهم إلى الدنانير، وصرف الدنانير إلى الدراهم (١). ولا فصل عندنا.

٤٠٣٥ - ولو لم يظهر للممتنع مالٌ، وأشكل الأمرُ، فحكم الحال الحبس.

هذا ما درج عليه الأوّلون، ومضى عليه الحكام، والحبس في نفسه عقوبة.

ولكن قد يقع حيث لا يُستيقن استحقاقُ الممتنعِ العقوبةَ؛ من جهة أن الممتنع إذا لم يثبُت يسارُه، وادعى الإعسارَ؛ فإنا نجوّز صدقَه، ومع تجويز ذلك نحبسه، والسَّبب فيه أن إطلاقه تضييع لحق المدعي من غير ثَبَت، فلا وجه إلا حبسُه إلى البيان. وليس الحبس إيلاماً في الحال، فالمسلك القصد يقتضيه لا محالة.

٤٠٣٦ - ولو تحقق القاضي ظلمَ من عليه الحق في امتناعه، وعلم أنه متمكن من تأدية ما عليه -وقد يظهر ذلك بقراره أو بجهةٍ أخرى، على ما سيأتي الشرح عليه، إن شاء الله تعالى- فالأمر وقد ظهر العناد مفوّضٌ إلى رأي القاضي، فإن أراد أن يعزّره حتى يُظهر المال، فله ذلك، ولا مزيد على الحبس مع اليسر، وإن ظهر العناد، فللقاضي أن يزيد على الحبس ويعزّر.

وقد نص الشافعي في نكاح المشركات على [أن] (٢) من أسلم على أكثر من أربع، وأوجبنا عليه أن يختار أربعاً، وحبسناه لذلك، فإن تمادى على امتناعه، فللقاضي أن يعزره. وسببُ التعزير امتناعُه عن حقٍّ محتوم عليه مع الاقتدار عليه.

وإنَّما خصص الشافعي هذه الصورة بذكر التعزير، لظهور العناد فيه، وتبيّن الاقتدار على الاختيار، فمهما ظهر العنادُ في الحقوق المستحقةِ، كان الأمرُ على ما ذكره الشافعي في نكاح المشركات.


(١) الذي ذكره إمامنا هو قول أبي حنيفة، حيث يرى أن استيفاء الديون تكون من جنسها، واستثنى من ذلك ما إذا كان للدائن دنانير والمديون يملك دراهم، أو العكس، فأجاز بيع هذه بتلك؛ لاتحادهما في الثمنية، وخالفه صاحباه، والفتوى بقولهما. (ر. مختصر الطحاوي: ٩٥، ٩٦، وحاشية ابن عابدين: ٥/ ٩٥، ورؤوس المسائل: ٣١١ مسألة ١٩٨).
(٢) ساقطة من الأصل.