للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فصل

٤٠٧٧ - قد ذكرنا ما يحصل البلوغ به، ونحن نذكر الآن الرشدَ ومعناه، ونقيضه، وهو السفه؛ فإن الربَّ تعالى علق زوال الحجر في حق الصبي بالبلوغ، وإيناس الرشد، فقال تعالى: {فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: ٦] فنذكر معنى الرشد، فنقول: الرشيد هو الصالح في دينه، المصلح لمالهِ، فلو بلغ الصبي مبذراً، وهو الذي يصرف ماله في جهةٍ لا يستفيد به أجراً في الآجل، ولا حمداً ممّن يُعتبر حمدُه في العاجل. هذا معنى التبذير.

٤٠٧٨ - فإن بلغ الصبي فاسقاً، وكان يعدُّه أهل المعاملات مصلحاً لماله، مقتِّراً ضابطاً، فهو في معنى المبذر؛ والسَّبب فيه أن الفاسقَ قد يصرف أمواله إلى [اتخاذ] (١) الخمور، [وأجرة القَيْنات] (٢) وأبناءُ جنسه يعدّونه مقتصداً في نوعه، وصرفُ المال إلى هذه الجهات تبذيرٌ في الشرع، وإفسادٌ للمال.

٤٠٧٩ - ولو كان يتعدى طوره (٣) في اتخاذ الأطعمة الفائقة الكثيرة القيمة والمؤنة، وكان لا يليق ما يفعله بمنصبه ومرتبته في اليسار، فهذا منه تبذير. ويختلف ما أشرنا إليه باختلاف المنازل والرتب.

٤٠٨٠ - وذكر أئمتنا أنّ صرف المال في الخيرات وجهاً القربات ليس بتبذير.

ومن رشيق كلام المتقدمين قول بعضهم: لا خير في السَّرف، ولا سرف في الخير.

وكان شيخي يفصل ذلك تفصيلاً حسناً، ويقول: إذا بلغ الصبي، وكان يتشوف إلى صرف المال إلى الخيرات على سرفٍ، فهو تبذير منه، [وإن بلغ مصلحاً للمال مقتصداً، وزال الحجر، ثم طرأ السَّفه، فنذكر أنه يعود الحجرُ، فلو طرأ إفراطٌ في صرف المال إلى الخيرات، فلا نُعيد عليه الحجرَ بهذا. وعند ذلك يقع الفرق بين


(١) مزيدة من (ت ٢).
(٢) ما بين المعقفين أثبتناه من (ت ٢). مكان كلمة واحدة بالأصل تعذر قراءتها، صورتها هكذا: (واحساه).
(٣) في الأصل: في طوره.