للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحياناً تكون الكلمة مع تصحيفها وتحريفها تتوافق مع السياق والسباق على نحوٍ ما، ولكن المحقق المتأني المتريث، مع دُربته وتذوقه يدرك أن فيها نوعاً من القلق.

فيظل يدير العبارة على أنحاء من القراءة، ويدير الكلمة على أنحاء من الصور، متأملاً، متأنياً بلا ملل، مستبصراً مستلهماً إلى أن يصيح: وجدتها. ودائماً سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا. وعندي من الأمثلة التي عانيتها مع شيخي إمام الحرمين (في نهاية المطلب) المئات من الأمثلة النادرة العجيبة، وقلما يمر يوم من غير أن يحدث شيء من هذا، ولكن عن الغرائب والنوادر نتكلم.

فمن ذلك: جاء في النهاية تعليقاً على الاستدلال لبعض القضايا، قوله: " وهذه الأدلة تتعلق ببحورٍ لا (تنكر) من قضايا أصول الفقه " هكذا في نسخة الأصل، تنكر وفي النسختين المساعدتين متسع بعد الكاف يجعلها قابلة لأن تقرأ: لا (تكسر) من الكسر (مع ملاحظة أن المخطوطات لا تنقط إلا بعض الحروف، بل أحياناً لا تنقط أصلاً).

وقفت أمام العبارة، والمعنى على الجملة مفهوم، والسياق مستقيم، ولكن ما هكذا يكتب الأئمة الأقدمون، فعبارتهم مشرقة، وأسلوبهم مضيء، والكلمة (تنكر) هنا قلقة غير مستقرة، وكأنها رقعة من نسيج سخيف في ثوب محكم النسج، فما قيمة وصف البحور بأنها لا تنكر أو لا تكسر؟. ولكن ما الحيلة؟ انتهى الأمر.

ولكن ظللت قلقاً مع قلق اللفظة (تنكر)، وصرت أعود إلى الموضع مرة بعد مرة؛ أحاول أن أدرك موضع الخلل، وذات مرة من هذه المراجعات، أخذت أتصور حروف الكلمة بكل ضبط، وبكل نقط، وأحاول أن أقرأ، وأستعين بالمعجم، فقلت من باب إبراء الذمة أجرب مادة: ن. ك. ز (نكز)، بالزاي، وأخذت أقرأ: وكان العجب: نَكِزت البئرُ: قلّ ماؤها، وأنكز البئرَ: أنفد ماءها. فترجح عندي أن الكلمة هي (تنكز)، وبحور لا تنكز: أي لا تنفد، وهذا هو المناسب، فالبحور توصف بأنها نفدت أو أنفدت. وعندي من هذا أمثلة كثيرة اكتفي بالإشارة السريعة إلى آحاد منها. مثل:

قال الإمام: " ... فلا يضر تعرض البيع للنوى" هكذا وقد يمر عليها المحقق مر

<<  <  ج: ص:  >  >>