للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للشافعي: أحدهما - أنه يستحق أقلَّ الأمرين من أجرة المثل، والأجرة المسمّاة، كما ذكرناه؛ وذلك أن إثبات ما يدعيه بيمينه المعروضة عليه ابتداءً بعيدٌ جداً، ولكنه ذكر الإجارة لينتظم كلامه، من حيث كان معترفاً بأصل الإذن، فلا يستفيد إذاً بذكر الإجارة إلا نظمَ الكلام، وتعليلُ الأقل ما قدمناه من مؤاخذته بالإقرار إذا كانت الأجرة المسماة أقل.

والقول الثاني - أنه يستحق الأجرة المسماة؛ فإنه إذا أُحوج في يمينه إلى ذكر الإجارة، وقد ذكرها بصفتها، فيثبت له العوض الذي سمّاه. وهذا وإن كان بدعاً في قياس الخصومات، فسببه أنّ الواقعة في نفسها بدْعٌ، كما نبهنا عليه؛ إذ قلنا: الإذن متفق عليه، فلا يأتي ضمان المنافع من استقلال بانتفاعٍ، وإنما يأتي من إذنٍ مقرون بالعوض، وحق المالك لا يُحبَط، فعسُر الأمر، وتركَّبت المسألة من أصلين متعارضين، كما نبهنا عليه.

٤٥١٠ - ومما يتعلق بتحقيق هذا الفصل: أنا إذا أثبتنا للمالك المسمى، فلا بد من ذكر الأجرة المسماة لا شك فيه، وإن قلنا إنه يستحق أقل الأمرين، فالظاهر عندنا أنه يكفيه ذكر الإجارة، لينبه بذكرها على الطريق؛ فإنّه إذا كان لا يستحق عوضاً (١)، فلا حاجة إلى ذكر العوض، وهذا محتمل جداً. والعلم عند الله.

٤٥١١ - ولو عرضنا اليمين على المالك، فنكل، فقد قال العراقيون: لا ترد اليمين على الرّاكب؛ فإنه لا يدعي إلا الإعارة، ولا حق على المستعير، ووضع يمين الرد أن يثبت للمردود عليه حقاً، وليس الأمر كذلك في هذه الصُّورة، فالحقُّ إذاً للمالك، فإن أثبتها باليمين، فذاك. وإن تركها، فلا معترض عليه.

وهذا الذي [ذكروه] (٢) حسنٌ فقيه. ولكنه خارج عن قياس المذهب، مفضٍ إلى القضاء بالنكول، وإنما وقعت المسألة شاذّة، لأنها بصورتها مخالفة لصور الخصومات، فإنّا أقمنا المدّعي في منصب المدّعى عليه، لفقهٍ حمل على هذا، ودعا إليه، والخصم الراكب ليس يدعي لنفسه مالاً، فيحلف على ماذا؟

وفي كلام القاضي رمز ظاهرٌ إلى أن اليمين ترد على الراكب، وفائدتها الخلاص من


(١) (ت ٢): عوضها.
(٢) في الأصل، (ت ٢): "ذكره".