فإن قيل: ما المانع من إيراد المعاملة على الدراهم المغشوشة؟ قلنا: أما البيع بها إشارةً إليها أو إطلاقاً لذكرها، فقد فصَّلنا المذهبَ فيه في كتاب البيع، وفرقنا بين أن يكون مقدار النُّقرة مجهولاً، وبين أن يكون معلوماً.
فأما تفصيل القول فيها في القراض، فنقول: لا يمتنع بيع الدراهم المغشوشة إذا انضبط مقدارُ العيار، ولا يقع الاكتفاء بهذا في القراض؛ فإن مقدار النُّقرة، وإن كان مضبوطاً، فالنحاس المضمومُ إليه سلعةٌ، وإيرادُ القراض عليه بمثابة إيراده على نقدٍ وسلعة، وذلك ممتنع، فالوجه منعُ إيراد القراض على المغشوش.
قال القاضي: أبعد بعضُ أصحابنا، فجوز إيرادَ القراض على المغشوش إذا جرى نقداً؛ فإن المعنى المتبعَ ما ذكرناه من كون النقد وسيلةً إلى أغراض التجارات، فإذا جرى المغشوشُ، وعم جريانُه، تحقق ذلك.
ولم يسمح أحد من الأصحاب بإيراد القراض على الفلوس. وإن عمّ جريانُها في بعض الأقطار، وكذلك القول في الغِطْرِيفية (١) فيما وراء النهر، والسبب فيه أن الفلوس لا يعم جريانها في البلاد الكبيرة، وإنما يتواطأ عليها أهل ناحيةٍ، ثم تكون عرضةً للكساد، ولو كسدت وركدت أسواقها، لتفاوتت تفاوتاً عظيماً. والذي جوزه الأصحاب في الدراهم المغشوشة فيه إذا كانت قيمتُها قريبةً من مبلغ النقرة، وقيمة النحاس، ومؤن الطبّاعين. وأمثال هذه الدراهم لو فرض في جريانها ركودٌ، لقلّ المقدار الذي يفرض فواتُه، وإن كانت الدراهم المغشوشة جاريةً على مبلغٍ من القيمة لا يدنو مما فيه من النقرة، والغش، ومؤن العَمَلة، فهي على التحقيق جاريةٌ جريان الفلوس، فلا جواز لإيراد القراض عليها. على أن من جوّز إيراد القراض على الدراهم المغشوشة فهم الأقلون من المتأخرين، والمذهب المبتوت ما قدمناه.
(١) الغِطْرِيفيّة: أي الدراهم الغطريفية، منسوبة إلى غِطْرِيف أمير خراسان أيام الرشيد، وقد كانت من أعزّ النقود ببخارى، وواضح من السياق أنها كانت مغشوشة لا يجوز القراض فيها، وهذا ما قاله ياقوت، فقد ذكر أنها كانت "من حديد وصُفر وآنُك وغير ذلك من جواهر مختلفة، وقد ركبت فلا تجوز هذه الدراهم إلا في بخارى ونواحيها وحدها" (ر. معجم البلدان: مادة بخارى، المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٩٤، التعريفات الفقهية للمفتي محمد عميم الإحسان البركتي - ضمن مجموع بعنوان: قواعد الفقه: ص ٤٠١).