للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عدوانه، لم يعد (١) أميناً، وبقي ضامناً.

وأبو حنيفة (٢) خالف في ذلك، وحكم بأن المودَع إذا ترك عدوانه، عاد إلى حكم الائتمان، ثم إنه مع المخالفة في هذا الأصل، وافق في أن المستأجر إذا جاوز بالدابة المنتهى المعلوم، وصار متعدّياً ضامناً، فإذا ردّها إلى ذلك المنتهى، لم ينقطع أثر العدوان، وتكلّف فرقاً لسنا له (٣) الآن.

٥١٣٣ - ومما يتعلق بأصول هذا الفصل أن من اكترى دابة ليركبها إلى موضعٍ عيّنه، فلا يتعين الخروج في ذلك الصوب، فلو ركبها في صوب آخر، واستوت المسافتان، وتماثل المسلكان في السهولة والوعورة، فلا معترض، ولا بأس؛ فإن المنفعة هي المستحقة، والدابة متعيّنة، ولا يتعين جهة استيفاء المنفعة مع رعاية الاقتصار، فليس الصوب المعيّن معقوداً عليه، حتى يتخيل تعيّنه، ولهذا الأصل جوّز الشافعي أن ينيب المستأجرُ غيرَه مناب نفسه في الركوب إذا كان مثلَه، وجوّز أن [يُكري] (٤) مستأجرُ الدابةِ الدّابةَ من غيره، على شرط استواء المستأجر الأول والثاني.

ولو استأجر ثوباً ليلبسه مدة، فله أن يُلبِسَه غيرَه، مع رعاية التساوي والاقتصاد.

ومنع أبو حنيفة (٥) الاستنابة تبرعاً، وإجارةً في الحيوان والثوب، ووافق في العقار والدار، فجوز الاستنابة والإجارة من المستأجر.

٥١٣٤ - فإذا تمهد ما ذكرناه إلى أن الصوب المعين لا يتعين في الإجارة، فلو


(١) لم يعد أميناً: بمعنى لم يرجع، ولا تعود له صفة الأمانة ومنصبها.
(٢) ر. حاشية ابن عابدين: ٥/ ٢٦ آخر سطر، نقلاً عن الهداية، ومختصر اختلاف العلماء: ٤/ ١١٦ - مسألة ١٨٠٩.
(٣) الفرق الذي يشير إليه إمام الحرمين، هو " أنه مأمور بالحفظ في الوديعة قصداً، فيبقى الأمر بعد العَوْد (أي إلى الأمانة والانكفاف عن العدوان) أما في الإجارة، والإعارة، فهو مأمور بالحفظ تبعاً للاستعمال، فإذا انقطع الاستعمال لم يبق هو نائباً ". ا. هـ من حاشية ابن عابدين: ٥/ ٢٦.
(٤) في الأصل: يكون.
(٥) ر. مختصر اختلاف العلماء: ٤/ ١١٦ مسألة ١٨٠٨، وحاشية ابن عابدين: ٥/ ١٨ سطر ١٣.