لم يسلِّم المكري الدابةَ حتى انقضت المدةُ المضروبة، تنفسخ الإجارة، وترتفع بانقضاء مدتها، ولو سلم الدابةَ إلى المكتري على أثر العقد، فربطها المكتري، ولم ينتفع بها حتى انقضت المدة، فقد انتهت الإجارة نهايتَها، وقرّت الأجرةُ المسماة؛ فإنه استمكن من الانتفاع، وضيّع حقَّه، حتى تلفت المنافع تحت يده.
ولو لم يضرب مدةً في الإجارة ولكن استأجر دابة (١) معينةً ليركبها إلى موضعٍ عيّنه، فلو سلّم المكري الدابةَ إلى المستأجر، فربطها مدةً لو سافر فيها، لأمكنه قَطْع المسافةِ المذكورة، فالإجارةُ تنتهي، وتستقر الأجرة، ولا يملك المسافرة؛ فإنا جعلناه في حبسه وربطه بمثابة المستوفي.
٥١٤٢ - ولو كانت المسألة بحالها، فلم يسلِّم المكري الدابةَ حتى انقضت مدة كان يتأتى في مثلها قطعُ المسافة، فهل نحكم بانفساخ الإجارة قياساً على ما لو اعتمد العقدُ مدةً مضروبة، ثم حبس المكري الدابةَ فيها، حتى انقضت تلك المدة؟ اختلف أصحابنا: فذهب المراوزةُ إلى أن الإجارة تنفسخ، وإن لم يجر للمدة ذكرٌ، إذا مضى زمنٌ يسع في مثله استيفاءُ المنفعة، وقطعُ المسافة، وهذا قياسٌ حسنٌ، لا يتجه غيره؛ فإنَّ المدة وإن ذُكرت، فليست معيّنة، وإنما المطلوب المنفعةُ فيها، فليكن الاعتبار بمضي زمان إمكان الانتفاع، وأيضاًً لم يختلف أصحابنا في أن الإجارة تنتهي نهايتها بربط المستأجر الدابة في الإجارة التي لم يجر فيها ذكر المدة، فإذا استوى ذكرُ المدة وذكرُ المنفعة في حق المستأجر، وفي حكم انتهاء الإجارة، فينبغي أن يكون الأمر كذلك في حق المكري.
٥١٤٣ - وذهب العراقيون إلى أن المدةَ إذا لم يجر لها ذكرٌ في الإجارة وإنما اعتمدت الإجارةُ قطعَ المسافة، وإعلامَ المدى، فإذا لم يسلم المكري الدابةَ في زمان لو سلمها فيه، لأمكن استيفاء المنفعة، فالإجارة لا تنفسخ، والمكري مطالبٌ بتسليم الدابة، وعللوا بأن المدة لم يجر ذكرُها، والتسليم ممكنٌ بعد هذا الحبس، وليس كحبس