للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المستأجر لو أراد أن يكري الدابةَ التي قبضها عن إجارة الذمة، فله ذلك، أطبق عليه أئمة المذهب.

ومما ذكروه في تحقيق ذلك أن المكري لو أفلس قبل تسليم الدابة، فقد يُضارب بحقه المستأجرُ، كما سنصفه الآن، إن شاء الله تعالى- وإذا سُلِّم الدابة، ثم جرى الإفلاس، فلا مضاربة، والمستأجر أولى بتلك الدابة حتى يستوفي حقَّه منها؛ فإن اختصاصه بها -وقد تسلمها- يزيد على اختصاص المرتهن بالرهن.

٥١٩٠ - ومما ذكره الأئمة في ذلك: أن المستأجر لو أراد الاعتياض عن حقّه قبل تسلّم الدابة، لم يكن له ذلك؛ فإنه اعتياضٌ عن المسلم فيه، وهو ممنوعٌ إجماعاً، ولو تسلم دابة على الصفة المطلوبة، ثم أراد المكتري أن يعتاض عن حقه في تلك الدابة، فله ذلك، وفي تصحيح هذا الاعتياض سقوطُ حقِّ المستأجر، وعللوا بأن حقَّه إذا تعين في الدابّة (١)؛ فإن الاعتياض يقع عن حقٍّ في عين، فإذا كنا نجوز للمستأجر في إجارة الذمة أن يُكري الدابةَ التي قبضها، فقد أثبتنا له حقاً في عينها محققاً، فالاعتياض من المسلم إليه يَرِدُ على حقه المتعيّن في الدابة، ثم يترتب على تصحيح الاعتياض انقطاع حقّه من المسلم.

فإن قيل: لو تعين حقه كما ذكرتموه في الدابة، فلم قلتم إذا تلفت تلك الدابة، وجب على المسلم إليه الإبدال؟ قلنا: لأن القبض لا يتحقق في المنافع من الوجوه كلِّها قبل انقضاء المدة، فلذلك قلنا: لو تلفت الدابة المعيّنة في الإجارة في يد المستأجر، تضمن ذلك انفساخ الإجارة.

٥١٩١ - فلينتبه الناظر إلى هذه الأحكام؛ فإنها مستقيمةٌ على قاعدة الإجارة، وموجب الذمة، وقد يظن المبتدىء فيها تناقضاً، وليس الأمر كذلك. وسبب اختلافها ظاهراً [صدورُها] (٢) عن حكم الذّمة (٣)، وثبوتُ حق التعيينِ بالقبض، مع


(١) في (د ١): الذمة.
(٢) في الأصل: صدورهما.
(٣) (د ١): ظاهر صدورها عن حكم الحدمة.