لو قبضتُها، لكانت مؤنة الحفظ عليّ، ولو تلفت في يدي، لسقط الضمان، فكن أنت الملتزمَ لذلك كله.
٥٢٨٥ - ثم لو قال المالك، والحالة هذه: اغرم لي على مقابلة الحيلولة، فله ذلك؛ فإن الحنطة، وإن كانت حاضرةً، فهي بمثابة الغائبة للوجوه التي ذكرناها، ثم لا يغرّمه مثلَها؛ إذ يستحيل أن يغرّمه المثلَ، وعينُ ماله قائمة، ويعسر عليه نقل المثل، كما يعسر عليه نقلُ العين، فلا يغرّمه إلا القيمة. ثم إذا ردّ الحنطةَ إلى مكانها، استرد القيمة.
٥٢٨٦ - وكان شيخي يقول: يغرّمه أرفعَ قيمةٍ من مكان النقل، إلى حيث انتهت؛
فإن العدوان مطّردٌ في هذه الأماكن جملتِها، ولا مكان منها وإلا للمالك طلبُ حنطته إن صادف ناقلَها فيه مع الحنطة، وله طلب قيمتها في ذلك المكان، حملاً على تكليفه نقلَها إلى الأول، الذي نقلها منه، فينتظم من مجموع ذلك إيجابُ أقصى القيم.
٥٢٨٧ - وقد مهدنا في كتاب الغصوب في ظاهر المذهب أصلاً، فقلنا: إذا أتلف رجل مثليّاً في مكان، ثم ظفر المتلَفُ عليه بالمتلِف في غير مكان الإتلاف، فالمذهب الظاهر أنه لا يطالبه بالمثل، وإنما يطالبه بقيمة مكان الإتلاف. وما ذكرناه في هذا الفصل مباينٌ لذلك الأصل؛ فإن الحنطة في عينها فائتةٌ، واقتضى الترتيب على ما رآه الأصحاب ألا نُغرّمَه المثلَ في غير مكان الإتلاف، والحنطة قائمة في مسألتنا، فجرى ما مهدناه من غرامةِ المثلِ والقيمةِ على ترتيبٍ يخالف الإتلاف، ويكفي في ذلك التنبّه والتأمل.
٥٢٨٨ - ولو جرى نقلُ تلك الحنطةِ الزائدةِ من ثالثِ، مثل أن يُفوّض المكتري الكيلَ إلى إنسانٍ، فيزداد ويحملَ أكثر من المشروط، فالكلام في أجر المثل والضمان في الدابّة لو تلفت معلّقٌ بهذا الثالث، فيغرَم أجرَ المثل في الزائد، وفي الضمان عند فرض التلف اختلافُ القول، كما تقدم.
وللمالك أن يكلفه ردَّ الزيادة إلى البلد المحمول عنه، كما ذكرناه في حق المكري إذا كان هو الناقل.