للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو لم يتعرض للأجرة لا بتصريع ولا بتعريض، فالمنصوص عليه، وهو ما عليه عامة الأصحاب أنه لا يستحق شيئاً؛ لأن المنافع غايتها أن تكون كالأعيان في المالية، بل هي دونها.

ولو أتلف رجل مال رجل برضاه، لم يضمن شيئاًً، فكذلك إذا أتلف الأجير منفعة بدنه برضا صاحب الثوب.

ومن أصحابنا من قال: يستحق العاملُ أجر مثل عمله، وهذا اختيار المزني.

ومن أصحابنا من قال: إن كان ذلك الرجل معروفاً بالغسل بالأجرة، استحق الأجرة بحكم العادة، ونزلت منزلة النطق، وإن لم يكن معروفاً بهذا، لم يستحق لعمله أجراً.

ومن أصحابنا من قال: إن التمس الغسال دَفْع الثوب إليه فأسعفه صاحبُ الثوب، لم يستحق الأجرة؛ فإنه الذي ورّط نفسه في هذا، ورضي بتلف منفعته، فلا يستحق شيئاًً، وإن التمس صاحب الثوب منه الغسلَ، فيستحق حينئذ أجر عمله؛ فإن المالك هو الذي أوقعه في العمل، فكان بمثابة المتلِف لمنفعته.

والقول في أمثال ذلك كثير، ونحن نذكر مجامع المذهب فيها.

٥٣٧٠ - فإذا دخل الرجل الحمّام، ولم يَجْرِ للأجرة ذكرٌ، فنقول: أما قيمة الماء الذي سكبه، فواجبة، وقد يتجه إثبات المثل؛ فإنه من ذوات الأمثال، ويجب أجرة منفعة الحمام؛ فإنه أتلفها، وعلى المتلف قيمةُ ما أتلف، وإن جرى الإتلاف بمشهدٍ من المالك، فإذا كان كذلك، فما الظن، والعرف جارٍ بالتزام الأجرة.

فأما أجرة الدلاّك، والمزيّن، فتُخرّج على القاعدة التي ذكرناها في الاستعمال من غير ذكر أجرة، ومهما غلبت العادة، ظهر وجوب اتباعها.

ويبعد أن نقول: إذا تقدم الغسّال إلى ثوب إنسان، فرفعه وغسله أنه يستحق الأجر إلا أن يُفرضَ في رجل معروف بذلك، وقد جرت عادته بهذا، واستمرت عادة الناس معه ببذل الأجرة. والمزيّن في الحمام يتقدم من غير استدعاء في الغالب، وكذلك الدّلاك، ولكن اطرد به العرف، وهو في نهاية الظهور، فَقَوِي إيجابُ الأجر مع العلم، بتطرق الخلاف.