وإذا لم نر أثرَ عمارة أصلاً، وقلنا إنه الموات الذي يُملك بالإحياء، فلسنا نشترط فيما ذكرناه في ذلك العِلْمَ والدرْك الحقيقي؛ فإنا لا نبعد أن ذلك الذي نقدّره مواتاً كان مملوكاً قبلُ، ولكن يكفي ألا نرى أثرَ عمارةٍ، ولا نراه من حقوق (١) موضعِ أثرِ عمارة الإسلام، ولا نعلم أنه كان عامراً فدرست عمارته بسبب من الأسباب، وإنما نُجري أحكام الأملاك دواماًً وابتداء على الظواهر، ولا يتصور مُدرَك القطع فيها.
هذا بيان أراضي بلاد الإسلام في غرضنا المتعلق بالتقسيم.
٥٥٧٥ - فأما أراضي بلاد الشرك، فإنها تنقسم إلى عَامرٍ، وموات. فأما العامر فملك الكفار، وإن استولينا عليها قهراً، كانت غنيمة، وإن انجلَوْا عنها مرعوبين من غير قتال، فهو فيءٌ إذا ثبتت الأيدي عليها.
فأما الموات في دار الحرب، فقسمان: قسم كانوا يذبّون عنه، ويحامون، وقسم لا يذبون عنه.
فأما ما كانوا يذبون عنه، فإن استولينا على ديارهم، نُظر: فإن جرى الاستيلاء عَنوة عن قتال واقتهار، فكل من له حقٌّ في المغنم يصير فيه بمثابة المتحجّر، وسنذكر أن من يحجِّر موضعاً ليُحييه، فهو أولى به.
وإن كان الاستيلاء من غير قتالٍ، فأهل الفيء في ذلك الموات بمثابة المتحجرين، كما ذكرنا. وسيأتي بيان التحجُّر، ومعناه، وحكمه.
وإن كانوا لا يذبّون عن ذلك الموات، فهو مما يشترك فيه كل محيي، فإن أحياه مسلم، ملكه، وإن أحياه كافرٌ ملكه؛ فإنه ليس من بلاد الإسلام، حتى يمتنع إحياؤه على الكفار، كما سنذكره من بعد.
٥٥٧١ - ومما يتعلق بذلك أنا إذا قررنا طائفةً من الكفار على بلدةٍ لهم صُلحاً، ووضعنا الأمر على ألَاّ نتعرّض لديارهم ويقبلوا الجزية، فإذا كان ببلدتهم مواتٌ، وكانوا يذبّون عنه، كما قدّمنا وصفه، فليس للمسلمين إحياء مواتهم، كما ليس
(١) عبارة (د ١)، (ت ٣): من حقوق موضعٍ عليه أثر عمارة الإسلام.