للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يفرض من ذلك ليس تغييراً للأرض به مبالاة، وإنما هو بمثابة نصب الأخبية والخيام، ثم لو حوّط على الحظيرة حائطاً مبنياً، فإذاك، ولو أثبت [بناء] (١) في طرفٍ يأوي إليه الراعي والمراقب، وجعل الباقي حظيرةً من سعفٍ أو قصبٍ، فقد ذهب بعضُ أصحابنا إلى أن هذا كافٍ.

والمنقولُ عن القاضي وما اقتضاه كلام شيخنا (٢) أنه لا يملك صاحبُ هذه الواقعة إلا محلَّ البناء، والباقي يجري على قياس التحويط بالسعف والجريد، وليس كما إذا وُجد البناء ممن يبغي مسكناً بعد التحويط؛ فإنَّا نجعل ذلك إحياءً، تعويلاً على التحويط المعتبر مع إمكان السكون في المبنى، ونصب السَّعَفِ والقصب ليس حائطاً معتبراً.

٥٥٨٩ - فإن أراد أن يتّخد بستاناً، فلا بد من أن يحوِّط ويحفر الجداول ويهيّىء مجرى الماء إلى الأشجار. وذكر الأصحاب أنه لا بد من غرس الأشجار؛ لأن اسمَ البستان لا ينطلق على الأرض البيضاء الخليّة عن الغراس. فإن أراد مزرعةً، لم يحتج إلى التّحويط فوقها؛ فإن معظم المزارع بارزٌ لا تحتوي عليه الحيطان، ولكن لا بد من تمييز البقعة أوّلاً بجمع ترابٍ حولها؛ حتى تتميز عن الغير، وهذا التمييز فيها ينزل منزلة التحويط في غيرها، ثم لا بد من أن يسوق إليها الماء من نهرٍ، أو يُنبط (٣) لها عَيْناً، أو يحفر بئراً، لتعتمد الزراعة الشِّرب العِدَّ، وإذا أجرى ماءً من نهرٍ عِدٍّ، كفى.

وإن كان يحتاج إلى شراء الماء؛ فإن الشرط أن يتمكن من السقي من الماء العِدّ.

٥٥٩٠ - ثم اختلف الأئمة في أنا هل نشترط في إتمام الإحياء أن تُزرعَ وينبت البذر في الأرض؟ فمن أصحابنا من قال: لا بد منه، وهو ظاهر النص، فإن الشافعي قال: " وتزرع ".

ومن أصحابنا من قال: لا حاجة إلى إيقاع الزراعة؛ فإن الإحياء تهيئةُ البقعةِ للمقصود، وإيقاع الانتفاع ليس شرطاً؛ فإن من يبغي اتّخاد مسكنٍ يكفيه أن يهىء


(١) في الأصل: مأوى. وفي ت ٣: " ولا يثبت بنا طرفا يأوي " وهو تحريف متفاحش.
(٢) شيخنا: يعني والده، وقد صرح بذلك الرافعي. (فتح العزيز: ٦/ ٢٤٤).
(٣) يُنبط: يستخرج. وماضيه أنبط إنباطاً. (المصباح).