للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٥٦٠٥ - ومما يتصل بتمام البيان في ذلك أن المتحجِّر إذا أخد في العمارة، وكان تمهّد الأساس، أو بنى بعضَ الجدار، فقد ذكرنا أن هذا القدرَ لا يُثبت له الملك، ولكن لو ابتدر مبتدر إلى إحياء هذه البقعة، يجب القطع بأنه لا يملكها؛ فإن السابق إلى العمارة أولى، فقد تأكد حقُّ تملكه. والخلاف الذي ذكرناه في الابتدار إلى عمارة البقعة المتحجرة، [فسببه] (١) أن العمارةَ أقوى، وإن كان التحجر أسبق، فرأى بعضُ الأصحاب تقديمَ السبب الأقوى على الأسبق؛ فإن التحجر ليس من العمارة، وإذا ابتدأ العمارة في مسألتنا، فله حقُّ السبق، والتمسكُ بالسبب الأقوى.

٥٦٠١ - ومما يتعلق بذلك أن الإمام إذا حمى بقعةً، وصححنا الحمى، فلو ابتدر مسلمٌ، وأحيا طرفاً من المكان المحمي، فقد اختلف أصحابنا في أنه هل يملكه؟ وهذا يقرب من الخلاف في إحياء الأرض المتحجِّرة، ولعل الأولى في الحمى ألا يملك؛ فإنه حكمٌ ثابت، وليس في حكم العلامة على ما سيكون، بخلاف التحجر.

٥٦٠٢ - وقد ذكرنا في قاعدة المذهب أن المسلمين إذا استولَوْا على موات بلاد الشِّرك، وكان المشركون يذبُّون عنه كما يذبّون عن عامر البلاد، فالغانمون فيه كالمتحجّرين. وذكر الشيخ أبو علي وجهين آخرين:

أحدهما - أنهم يملكون الموات إذا قصدوا تملّكه، كما يملكون المغانم؛ فإن الإحياء إثباتُ يدٍ على الاختصاص على الأرض المشتركة، فإذا ثبتت أيدي الغانمين، وظهر قصدُهم إلى الاستيلاء، كان ذلك بمثابة الإحياء، وليس يبعد أن يملكوا بالاستيلاء ما لم يكن ملكاً قبل استيلائهم، كما يملكون الحرائر، والذراري بالسبي.

والوجه الآخر- أنه لا يثبت لهم اختصاص بالموات، وإن اختصوا بالاستيلاء، ولا ينزلون منزلة المتحجِّرين أيضاًًً، بل المسلمون كافة في إحيائها شَرَعٌ (٢)؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم علق ملكَ الموات بالإحياء، وحقَّ التخصيص بالتحجر، ولم يوجد منهم إحياءٌ، ولا تحجّرٌ.


(١) في الأصل: وسببه. والفاء هنا على تقدير: وأما الخلاف. والله أعلم.
(٢) شَرَع: بفتح الشين والراء، أي متساوون (المعجم).