إذا قال الأب: قبلت هبة هذا الطفل، أو قبلت بيع هذا له، فما أرى ذلك صحيحاً، ولا أشك في بطلان اقتصاره على قوله قبلتُ؛ فإنه كلام غير مفهوم.
وإن قال: اتّهبت لطفلي، أو اشتريت لطفلي، فهو موضع خلاف، وهو بمثابة قوله: بعت من طفلي، أو وَهَبت من طفلي.
وأما اكتفاؤنا بقرائن الأحوال في تقديم الطعام إلى الضيفان في الرأي الأصح، فهو خارج عما نحن فيه؛ فإن سبيله الإباحة، والإباحة ليست تمليكاً، ولم يختلف أصحابنا أنها لا تفتقر إلى القبول، على رأي من يغلو، ويشترط اللفظ. هذا قدْرُ غرضنا الآن، فيما يتعلق باللفظ.
٥٨٣١ - فأما القول في القبض، فحصول الملك في الموهوب يتوقف على القبض التام، والقبض في الهبة كالقبض الناقل للضمان في البيع، وقد فصلنا القولَ في القبوض والمقبوضات في كتاب البيع.
والذي نذكره هاهنا التفصيلُ في هبة الأب من طفله، فيما يتعلق بالقبض، والوجه تجديد العهد بهبة المودَع الوديعةَ من المودِع، وقد ذكرنا هذا في كتاب الرهن، وأثبتنا قولين في أن نفس الهبة والرهن هل يكون إقباضاً؟ فإن قلنا: إنه ليس بإقباضٍ، ففي كيفية الإقباض والعينُ في يد المتهب والمرتهن كلامٌ.
فإذا تجدد العهد بذكر هذا، عدنا إلى القول في الأب إذا وهب من طفله.
فإن قلنا: الهبة من المودَع تُحوِج إلى إقباض، فهذا في الأب أولى. وإن قلنا: من المودَع إقباض، ففي هبة الأب من طفله طريقان: من أصحابنا من قال: لا حاجة إلى الإقباض في حق الأب، ونفسُ اللفظ كافٍ؛ فإن الموهوب في يد من يكون في يده لو قدّر القبض.
ومن أصحابنا من قال: لا بد من الإقباض؛ فإن الموهوب في يد المالك الواهب في مسألة الأب، وهو في يد المتهب في مسألة المودَع. وقد ذكر الخلاف على هذا الوجه الصيدلاني.
٥٨٣٢ - وسلك بعضُ من لا يحيط بحقيقة المذهب مسلكاً آخر، فقال: إن قلنا: