للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما إذا وهب الرجل ممن هو أكبر منه، وأطلق الهبة، ففي المسألة قولان:

أحدهما - أنه لا يثبت الثواب في مطلق الهبة؛ لأن لفظ الهبة مصرَّحٌ بالتبرع، وهو مناقض لاقتضاء العوض.

والقول الثاني - أنه يثبت الثواب حملاً لذلك على العرف الجاري بين الناس، والعرف نازل منزلة التقييد باللفظ.

ولو دارت الهبة بين قرينين متساويين في الدرجة، أو متدانيين، فقد ذكر العراقيون أن الهبة لا تقتضي ثواباً بين الأقران والأمثال، كما لا تقتضيه [إذا كان الواهب] (١) أعلى درجة من المتهب.

والذي ذكره المراوزة أن هذا يلتحق بهبة الرجل الصغير القدر من الرفيع الدرجة؛ فإن الأقران يغلب فيهم طلب الثواب إذا تهادَوْا، والذي اختاره المراوزة أمثل.

٥٨٨٧ - ولم يفصل أحدٌ من أصحابنا بين أن يقول الواهب: وهبت [أو] (٢) تبرعت، وبين أن يقول: ملكتك هذا. والهبة تصح بلفظ التمليك، وكان لا يبعد الفصل بين اللفظين، وإلحاق لفظ الهبة والتبرع بما يتقيد بنفي الثواب، بخلاف لفظ التمليك، والاحتمالُ في الفصل بين اللفظين ظاهر، وسيتبيّن بالتفريع.

فإن قلنا: لا يثبت الثواب في الهبة المطلقة، فلا كلام.

٥٨٨٨ - وإن حكمنا بأن الثواب يثبت، ففي قدره أقوال ذكرها الأئمة بطرقٍ (٣) مختلفة: أحدها - أن الثواب ينبغي أن يكون على قدر قيمة الموهوب. وهذا أقصد المذاهب وأقربُها من الضبط، ووجهه بيّن؛ فإنه إذا لم يجر لمقدار الثواب ذكرٌ، ولا بد من ضبطٍ يقف عنده، فأقرب معتبر قيمة الموهوب.

والقول الثاني - أنه إن استمسك المتَّهِب بالموهوب، تعين عليه أن يُرضي الواهب، ولا موقف إلا عند رضاه.


(١) سقط من الأصل.
(٢) في الأصل: (و).
(٣) في الأصل: في طرقٍ.