للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو استيقن المتوضىء طهارة يديه، فغسْلُ اليدين سنةٌ في حقه أيضاً، والسبب فيه أن أسباب النجاسة قد يخفى دركها على معظم الناس، فيعتقد المعتقد الطهارة على وجهٍ يرى اعتقادَه يقيناً، وليس الأمر على ما يعتقده، فاطّردت السنّة على الناس كافة.

وهذه كالعدّة المنوطة بالوطء، فإنها تجب لتبرئة الرحم، وقد تجب مع القطع ببراءة الرحم؛ تعميماً للباب، وسيجري تقرير هذا في موضعه إن شاء الله تعالى.

وقال بعض المصنفين (١): " إذا استيقن المرء طهارة يديه، فلا عليه لو غمس يديه، ولكنا نستحب غسلَ اليدين مع هذا ". وهذا عندي خطأ. فليتقدَّم غسلُ اليدين على غمسهما؛ إذ الغرضُ تعميمُ رعايةِ الاحتياط في حقوق الناس، وذلك يتعلق بالماء. ولو كان يتوضأ من قمقمةٍ، فيستحب غسلُ اليدين احتياطاً للماء الذي يصبّه على يديه، وينقله إلى أعضاء وضوئه.

٧٧ - ثم ذكر الشافعي استحباب التسمية، فإذا أراد المتوضىء استفتاحَ الوضوء فينبغي أن يقول بسم الله. قال النبي عليه السلام: " لا وضوءَ لمن لم يقل باسم الله " (٢). والتسمية سنة؛ لا يبطل الوضوء بتركها سهواً ولا عمدا.


(١) بعض المصنفين: يريد إِمامنا به أبا القاسم الفُوْرَاني، فهو يُعمِّي اسمه، ويكثر من الحط عليه، رضي الله عنهما. وسيأتي في بعض التعليقات مزيدُ بيان لهذه القضية بينهما.
(٢) لم أجده بهذا اللفظ، ولكنه ورد بألفاظ منها: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ". وقد روي من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وسعيد بن زيد، وعائشة، وغيرهم وتعددت طرقه، ولا يكاد يخلو واحد منها عن مقال. وأخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي وابن ماجة، والدارقطني والحاكم، والبيهقي. وقد قواه ابن الصلاح، والحافظ ابن حجر، وانتهى الألباني إِلى تصحيحه.
(ر. أبو داود: الطهارة، باب التسمية على الوضوء، ح ١٠١، والترمذي: الطهارة، باب ما جاء في التسمية عند الوضوء، ح ٢٥، وابن ماجه: الطهارة، باب ما جاء في التسمية على الوضوء، ح ٣٩٧ - ٤٠٠، والدارقطني: ١/ ٧٩، والحاكم: ١/ ١٤٦، والبيهقي: ١/ ٤١، ٤٣، صحيح الجامع الصغير: ٧٥٧٣، الإِرواء، ١/ ١٢٢، تلخيص الحبير: ١/ ٣٨٦ بهامش المجموع).