للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو ترك المتوضىء الترتيب ناسياً؛ فالمذهب أنه لا يُعتدّ بوضوئه.

١٠٤ - وكان شيخي يحكي قولاً آخر في القديم أن الناسي معذور في ترك الترتيب، وكان يبني هذا على قول الشافعي، في أن من ترك قراءة الفاتحة ساهياً هل يُعذر؟

ويقول: وجه التقريب في ذلك أن قراءة الفاتحة تسقط عن المسبوق إذا صادف الإمامَ راكعاً، والترتيبُ يسقط عن المحدِث إذا اغتسل، كما سنشرحه؛ فاقتضى ذلك تقريباً بينهما في حق الناسي. وهذا عندي إن صح النقل عنه، فهو في حكم المرجوع عنه الذي لا يُعدّ من المذهب، أما الغسلُ، فلا ترتيب فيه أصلاً؛ فإن البدن فيه في حكم العضو الواحد.

ولو أحدث الرجل وأجنب، كفاه الغُسل، ولا يجب عليه إيصال الماء إلى أعضاء وضوئه مرتين، مرةً [عن] (١) الوضوء، ومرةً [عن] (١) الغسل، وذهب أبو ثور إلى أنه يجب أن يتوضأ ويغتسل، فنسب بعضُ المصنفين هذا إلى بعض أصحابنا، وهو غلط صريح.

ثم إذا اندرج الوضوء تحت الغسل [كما] (٢) ذكرناه؛ فقد اختلف أئمتنا في أنه هل يجب على المغتسل رعايةُ الترتيب في أعضاء الوضوء؟ فقال بعضهم: يجب ذلك؛ فإن الوضوء إنما يندرج تحت الغُسل فيما يوجد في الغسل (٣)، كما تتداخل العمرة في الحج فيما يوجد منهما في حق القارن، فيطوف طوافاً واحداً، ويسعى سعياً واحداً، ولا تداخل فيما اختص به أحد النسكين؛ فإنّ القارن يقف ويرمي ويبيت، وإن لم تكن هذه المناسك في العمرة. كذلك الوضوء يندرج تحت الغسل، فيما يتعلق بالغسل وإيصال الماء، فأما الترتيب فمما يختص الوضوء به، فيجب الإتيان به.

وقال بعضهم: لا تجب رِعاية الترتيب، وهو الأصح؛ فإن الترتيب ليس ركناً مقصوداً، وإنما هو هيئة وكيفية في أداء الأركان، فإذا اندرج فعل الوضوء تحت


(١) في الأصل: عند الوضوء ... وعند الغسل، وهذا تقدير منا. ووجدناه في (م)، (ل) أيضاً.
(٢) في الأصل، (ل): فيما. والمثبت من (م).
(٣) ر. المجموع: ١/ ٤٤٧ - ٤٥١.