للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نضَّ من الدين ثُلثُه مثلاً، فهل نقول: إنه يسلّم للموصى له ثلث [ذلك] (١)؟ أم كيف السبيل؟ فعلى وجهين مشهورين في المذهب: فمن أصحابنا من قال: إن كان في يد الورثة من العين ما يكون ضعفاً لما نضَّ من الدين، فهو مصروف إلى الوصية؛ فإنه ثلثٌ، والوصيةُ بثلث الدين، وفي يد الورثة ضعف ذلك.

ومن أصحابنا من قال: كلما نضَّ من الدين [شيء] (٢)، فللورثة ثلثاه، وللموصى له ثلثه، وإن كان في أيدي الورثة أضعافُ ما نضّ. وهذا القائل يستمسك بلفظ الموصي، وذلك أنه أوصى له بثلث الدَّين، وهذا يقتضي الشيوع؛ فإذا نضَّ من الدين ثلثُه، فليس للموصى له إلا ثلثُ ما نضَّ. هذا هو الصحيح.

ولما ذكرناه من الخلاف التفاتٌ على مسألةٍ ستأتي في فقه الوصايا، إن شاء الله تعالى، وهي أن الرجل إذا أوصى لرجل بثلث دارٍ، وكنا نقدّر أن جميع الدار له، فبان أنه لا يستحق منها إلا ثلثَها، فللشافعي قولان في أن الثلث الذي يملكه هل يصرف إلى [الوصية] (٣)، أم لا يصرف إليها إلا ثلث الثلث؟ وسيأتي ذكر القولين والتفريع عليهما، إن شاء الله تعالى.

والخلاف في هذه المسألة أمثلُ؛ [فإن] (٤) من رأى صرفَ ثلث الدار إلى الوصية حَمَل وصيتَه على التصرف في ملكه، وهذه عادةٌ غالبةٌ، لا تُنكرُ، [و] (٥) لغلبة العادات سلطنةٌ على الألفاظ تفسِّر مجملَها وتقيّد مطلقَها، وتخصص [عامها] (٦)، وليس يتأتى مثل ذلك في مسألة الوصية بثلث الدين؛ فإن اللفظ مقتضاه الإشاعة، وليس في معارضِه هذا ما يمنع الإشاعة، [والدليل] (٧) عليه أن الموصى له استحق ثلث الدين شائعاً، ولم يتوقف استحقاقُه على النضوض، وإذا كان كذلك، فما ينضّ


(١) في الأصل: ثلث ابن.
(٢) زيادة من المحقق.
(٣) في الأصل: الورثة.
(٤) في الأصل: قال.
(٥) الواو زيادة من المحقق.
(٦) في الأصل: عاملها.
(٧) في الأصل: والدين.