للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الأستاذ وغيره من الحذَّاق: هذا الجواب غلط على أصل الشافعي؛ لأن الهبة المقبوضة مقدمة على الوصية، ومحل الوصية الثلث، والهبة قد استغرقت الثلث، وزادت [على] (١) ما يقتضيه الحساب، فوضع الوصية بعد استغراق الثلث باطل، فلتبطل الوصية إذاً، وإذا بطلت قدّرنا كأنها لم تكن، ولو لم تكن الوصية، لكان الحساب للهبة مع جريان الموت أن نقول: صحت الهبة في شيء من المائة، ورجع إلى الزوج نصف ذلك الشيء، فبقي معه مائة إلا نصف شيء يعدل شيئين، فنجبر ونقابل فيكون مائة تعدل شيئين ونصف، فالشيء خمسا المائة، وهو أربعون، فيرجع نصفها إلى الزوج بالميراث، وذلك عشرون، فيصير مع ورثته ثمانون، وهي ضعف الأربعين.

هذا ما ذكره الأستاذ حاكياً عن ابن سريج ومستدركاً عليه، وللاستدراك على ابن سريج وجهٌ بيّن في هذه المسألة؛ فإنه وهب وأقبض، وعرفنا أن الهبة نافذة في الثلث لا محالة إن لم تزد، فالوصية بعد استغراق محل الوصية مختلفة (٢)، وقول ابن سريج في هذه المسألة ليس ساقطاً إن كان يتحرى الاستدراك عليه؛ فإنه أوصى بثلثٍ مرسل، والاعتبار في الوصايا بمآلها، وقد جرت حالةٌ وهي الموت والتوريث غيرت نسبةَ المال به لبداية بقي معه أربعة أخماسه، فرأى ابن سريج أن نقول: الوصية لا تنزل مزاحمةَ الهبة، ولكنها تتشبث ببقية الثلث اعتماداً على مآل الأمر، فكان هذا كما لو أوصى لرجلٍ بألف درهم، وهو لا يملك شيئاً، أو أوصى بثلث ماله ولا مال له، فإذا استفاد مالاً، نفذت وصيته على المذهب الظاهر، وسنذكر الخلاف [فيه] (٣)، إن شاء الله تعالى.

فإذا وضحت هذه المسألة، وما قيل فيها، فنظير المسألة السابقة فيها أن تهب العبدَ وتسلّمه، ثم تعتقه قبل هبة الثاني، ثم يهب الثاني، فهذا عتقٌ لا يصادف محلاً، إلا أن يُحمل على وقف العتق في بعض الصور، [ولا] (٤) يجوز إلا على وجهٍ


(١) عبارة الأصل: وزادت ويقتضيه الحساب.
(٢) كذا. والمعنى أن الوصية باطلة بعد فوات محلّها.
(٣) في الأصل: الخلاف في قيمة.
(٤) في الأصل: "لا يجوز".