١٩٧ - فأما النُّورَة والزرنيخ وما أشبههما، فلا يجوز التيمم به، ومعتمد المذهب أن الربَّ تعالى ذكر الصعيدَ، فقال:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}[المائدة: ٦] واختلف المفسّرون فيه، فقال بعضهم: الصعيد ما يصّعد عن وجه الأرض، وقال بعضهم: صعيداً طيباً، معناه تراباً طاهراً، فصار هذا اللفظ من المجملات، فعوّل الشافعي على الحديث، وهو ما روي أنه عليه السلام قال:" جُعلت لي الأرض مسجداًً وترابها لي طهوراً ".
فخصَّ التراب، وقال:" التراب كافيك "، فوقع الاعتماد على اسم التراب، وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطّهور في نعت التراب، فصرّح باعتبار الطهارة.
فهذا هو عقد المذهب.
فرع:
١٩٨ - اختلف نصّ الشافعي في التيمم بالرمل، والذي ذهب إليه جماهيرُ الأصحاب تنزيلُ النصّين على حالين، فحيث منع، أراد الرمل الخالص الذي لا تراب فيه، وحيث جوّز، أراد الرملَ الذي يشوبه التراب.
فإن قيل: قد ذكرتم أن التراب إذا خالطه شيء، فظهر عليه، لم يجز التيمم بذلك المختلط، فما وجه التيمم برمل غالبٍ على تراب؟ قلنا: الرمل ثقيلٌ راسب، والتراب خفيف، فإذا ضرب الضارب يدَه على رملٍ فيه تراب، علا الترابُ وعبق (١) باليد، ولم يرتفع معه الرمل، والزعفران خفيف كالتراب، فالذي يرتفع يكون مختلطاً لا محالة، وذكر المحاملي أن من أصحابنا من جعل التيمم بالرمل على قولين، وهذا ضعيف لا أصل له.
فصل
١٩٩ - قال الله تعالى:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا}[المائدة: ٦]، ومعناه فاقصدوا، والذي صار إليه الأئمة أن من يريد التيمم لو برز لمهبّ الرياح حتى سفت الرياحُ الترابَ على وجهه ويديه، ونوى استباحة الصلاة، لم يصح تيممه، فلا بد من نقل التراب قصداً إلى أعضاء التيمم.
(١) عَبِق: من باب لعب، وعَبِق به الطيب: لزق (القاموس)، (م)، (ل): علق.