للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للقاتل، وفيها قولان مشهوران: أحد القولين - أنها تصح، وهو القياس (١).

والقول الثاني - أنها لا تصح، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا وصية لقاتل" (٢). وهذا الحديث ليس على الرتبة العالية في الصحة، والصحيح لا وصية لوارث.

ثم سلك بعض الفقهاء مسلك التوجيه بطريق التشبيه بالإرث؛ فإن استحقاق الوصية يتعلق بالموت كالميراث، ثم زجر الوارث عن القتل (٣) حتى لا يستعجل الميراث به، فحُرم ما يستعجله، وهذا يتحقق في الوصية تحققه في الميراث.

ثم اختلف أصحابنا في محل القولين على طرق:

فمنهم من قال: القولان فيه إذا تقدمت الوصية، ثم قتل الموصى له الموصي، فإنه في هذه الصورة ينسب إلى الاستعجال، فأما إذا [جرح] (٤) رجلاً ثم إن المجروح


(١) قال النووي: " المذهب الصحة مطلقاً " (الروضة: ٦/ ١٠٧).
(٢) حديث "لا وصية لقاتل" رواه البيهقي: ٦/ ٢٨١، بلفظ: "ليس لقاتلٍ وصية" من حديث علي رضي الله عنه، ورواه الدارقطني: ٤/ ٢٣٦، ٢٣٧. وهو لا يحتج به كما هو مفهوم كلام إمام الحرمين، قال البيهقي: تفرد به مبشر بن عبيد الحمصي، وهو منسوب إلى وضع الحديث. وقال الحافظ في التلخيص: إسناده ضعيف جداً.
هذا وقد عجب الحافظ في التلخيص من قول إمام الحرمين عن هذا الحديث: إنه ليس في الدرجة العالية من الصحة، وقال: "إنه ليس له في أصل الصحة مدخل" (التلخيص: ٣/ ١٩٧ ح ١٤٢٠).
وتقديري أن هذا الكلام فيه نوع تحامل على إمام الحرمين من الحافظ، فإمام الحرمين لا يعنى بألقاب المحدّثين وتبويبهم وترتيبهم، فهو ليس من أهل هذه الصناعة، وإنما مراده هنا: أن هذا الحديث غير صالح للاحتجاج به كما هو فحوى كلامه. ولا يعني بقوله إنه صحيح، ولكن لم يبلغ الدرجة العالية من الصحة، لا يعني ما يفهم من ظاهر هذه العبارة، وإلا لو كان كذلك، لأخذ بالحديث، وبنى عليه الحكم ولم يردّه.
وفي كلام إمام الحرمين عن الأخبار ودرجاتها في كتابه البرهان، ما يشهد لما أقول، ومن ذلك قوله: "إن الردّ والقبول يعتمد على ظهور الثقة وانخرامها، وهذا هو المعتمد الأصولي، فإذا صادفناه، لزمناه، وتركنا وراءه المحدّثين يتقطعون في وضع ألقاب وترتيب أبواب" (البرهان: فقرة رقم ٥٩٣).
(٣) (س): الفعل.
(٤) في الأصل: خرج.