فقالوا: هذه التصرفات تزيل الأسماء التي تعلقت الوصية بها، فتحولت وزالت، وحدثت أسماء أخرى، فكان الموصى به في حكم التالف المعدوم، وهذا الذي ذكروه من التعليل غيرُ مرضيّ عندنا، بل المعتمد أن نقول: لما أوصى بالحنطة، فبقاؤها إلى نفوذ القبول فيها مظنون ممكن، فإذا اختار طحنها، استبان بهذه العلامة أنه يبغي استعمال الدقيق، وكذلك إذا خبز الدقيق، فقد صرفه به عن جهة البقاء الممكن له إلى جهةِ هو فيها متشوف إلى الاستعمال، وكذلك القول في الشاة والذبح، والثوب والقطع والتفصيل.
٧٥٨٥ - ولو أوصى لإنسانِ بلحمٍ، ثم شواه، فمن يرعى زوال الاسم، فالاسم لم يزل، فلا يبعد أن تبقى الوصية، ومن راعى ظهور علامة الاستعجال والاستعمال، فقد ظهر هذا المعنى.
وذكر العراقيون وجهين فيه إذا أوصى بخبز، ثم دقّه واتخذه فتيتاً: أحدهما - أن ذلك رجوع بمثابة طحن الحنطة الموصى بها.
والثاني - أنه ليس برجوع؛ فإن الدق لم يسلبه اسمَ الخبز، فلا تنقطع الوصية بهذا القدر من التغيير.
ولو أوصى لإنسان بجاريةٍ، ثم كان يستخدمها، لم يكن الاستخدام رجوعاً؛ فإنه ليس علامة في قطع الوصية؛ إذ الإنسان يوصي بعبده، ثم لا يعطل منافعه.
وكذلك لو أوصى بجارية لإنسان، ثم زوّجها، فأما إذا أوصى بها ثم وطئها، فالطريقة المشهورة أنه إن عزل عنها، لم يكن ذلك رجوعاً، وكان الوطء كالاستخدام، وإن لم يعزل عنها، فيكون ذلك رجوعاً حينئذ؛ فإن ذلك يدل على استبقائه إياها لنفسه، والتسري بها.
ومن أصحابنا من قال: الوطء رجوعٌ كيف فرض (١ ومنهم من قال: إنه ليس برجوع كيف فرض ١). وهذا أضعف الوجوه.