للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رهبان النصارى، فإن كنت من رهبان النصارى، فالحق بهم، وإن كنت منا، فمن سنتنا النكاح" (١).

وقال عمر لأبي الزوائد: "أتزوجت؟ فقال: لا، فقال: لا يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور" (٢).

ولما احتضر معاذ قال: "زوجوني، زوجوني؛ لا ألقى الله عزباً" (٣).

وفي القرآن الثناء على المتعفف القاعد عن النكاح، قال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور: ٦٠] وقال في صفة يحيى بن زكريا: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: ٣٩] فسّره بعض أهل اللغة بالذي لا يقدر على إتيان النساء، وفسره الشافعي بالذي لا يأتي النساء مع القدرة؛ لأنه ذكر في سياق المدح والإطراء، ولا يستحق المدح عاجزٌ.

ونظر الشافعي في الأخبار المرغّبة في النكاح، وما يعارضها من الحث على التخلي لعبادة الله تعالى، فسلك طريقاً وسطاً، فقال: من تاقت نفسه إليه، ووجد أهبته، فالمستحب له أن ينكح، ومن لم تتق نفسه إليه، فالأولى أن يتخلى للعبادة. ومن تاقت نفسه إليه ولم يقدر على أهبته، فالأولى له أن لا يتزوج؛ لأنه لو تزوج، لوقع


(١) حديث "أنه صلى الله عليه وسلم قال لعكاف بن وداعة "تزوجت ... " رواه أبو يعلى في مسنده والطبراني في مسند الشاميين من حديث عطية بن بُسر؛ قال في مجمع الزوائد "فيه معاوية بن يحيى الصدفي، وهو ضعيف". والحديث أورده العقيلي في الضعفاء الكبير، وابن حبان في المجروحين، وابن الأثير في أسد الغابة، وأخرجه أحمد في مسنده من غير طريق أبي يعلى، ورواه ابن شاهين عن ابن عمر. قال الحافظ في الإصابة: والطرق كلها لا تخلو من ضعف واضطراب (ر. مسند أبي يعلى: ١٢/ ٢٦٠، ح ٦٨٥٦، المجروحين لابن حبان: ٣/ ٤٣، الضعفاء الكبير للعقيلي ٣/ ٣٥٦، مسند أحمد: ٥/ ١٦٣ - ١٦٤، أسد الغابة: ٤/ ٤٣، ٦٨، ٦٩، الإصابة: ٧/ ٣٤ - ٣٥، مجمع الزوائد: ٤/ ٢٥٠).
(٢) أثر عمر أنه قال لأبي الزوائد: "أتزوجت ... " قال ابن الصلاح: "رواه الشافعي في القديم بإسناده" ولم يتكلم على الإسناد، والحديث رواه ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، وسعيد بن منصور عن طاووس (ر. مشكل الوسيط لابن الصلاح - بهامش الوسيط: ٥/ ٢٥، مصنف ابن أبي شيبة: ح ١٥٩١٠، مصنف عبد الرزاق: ح ١٠٣٨٤، وسنن سعيد بن منصور: ح ٤٩١).
(٣) أثر معاذ "زوجوني، زوجوني ... " رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (٣/ ٤٥٣ ح ١٥٩٠٩).