للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما لم تربط بعلمها، وهذا جار على قياس ممهد، وهو أنها [لا] (١) تتعرض -لو أنكرت العلم- لنفي فعل الغير، ولا يتأتى نفي فعل الغير بتّاً، وإنما الممكن منه نفي العلم به. وهذا بيِّنٌ وكل ما ذكرناه إذا أقرت للأول.

فأما إذا أنكرت العلم في حق الأول، فتحلف؛ فإن حلفت، انفصلت بالخصومة مع الأول. ثم إذا قالت في يمينها: "بالله لا أعلم السابق بالعقد، ولا علم لي بتاريخ العقدين". فإذا جاء الثاني، وأراد أن يحلفها مرة أخرى، نُظر: فإن حضرا مجلس الحكم، ووقع تراضيهما على أن يحلفها أحدهما، فتعرضت في يمينها لنفي علمها بتاريخ العقدين، كفى ذلك؛ فلا تحلف مرة أخرى، ثم يؤول الأمر إليهما، وقد سبق الكلام في أنهما يتحالفان، وكيف السبيل في تحالفهما.

والذي نجدده أنا ذكرنا تردد الطرق في أن الرجلين لو تفاوضا بينهما ولم يعلقا دعوييهما بالمرأة، وأرادا أن يتحالفا؛ فهل يسوغ ذلك؟ وإذا علقا دعوييهما في الصورة التي انتهينا إليها بالمرأة، ثم حلفت، فيظهر في هذه الصورة أن يتحالفا بينهما؛ من جهة أن تحالفهما يقع بعد ارتباط الدعوى بالمرأة، والذي كنا نذكره أن يبتديا بالتحالف من غير تعرض لها، وفي كلام بعض الأئمة إشارة إلى أنها إذا حلفت، [ونفت] (٢) علمها؛ فالرجلان لا يتحالفان، وقد أفضى الأمر إلى الإشكال.

وهذا زلل (٣) عندي؛ فإن الحكم بانفصال الخصومة بمجرد يمينها لا معنى له، وقد قامت الخصومة أولاً معها، ولم تنكر جريان أحد العقدين على الصحة، فلا وجه لقطع تعلقهما بأيمان الإثبات بسبب حلفها على نفي العلم، هذا كلام فيه إذا اجتمعا، ورضيا بأن تحلف يميناً واحدة.

فأما إذا حضر أحدهما، وادعى علمها، فحلفت، ثم حضر الثاني، وأراد أن يحلفها في حق نفسه مرة أخرى؛ فإن حكمه متميز عن حكم الأول، ويتصور أن يرضى


(١) زيادة اقتضاها السياق.
(٢) في الأصل: وثبت.
(٣) حكى النووي هذا عن الإمام، واختاره. (ر. الروضة: ٧/ ٩١).